أدّت الأحداث التي عصفت بسوريا منذ عام 2011 وإلى يومنا هذا إلى سلسلة من التداعيات الإقتصاديّة أرخت بظلالها على الواقع المعيشي للسكان الذين باتوا على حافة المجاعة، في حين أنّ الحل العسكري الذي اعتمدته السلطة في دمشق كان بالإضافة إلى كونه خياراً مدمّراً للبلاد، أمراً مكلفاً من الناحية الإقتصادية للسلطة ولحلفائها، من حيث الكلف المالية الضخمة للحرب من عدّة وعتاد ورواتب مقاتلين، إضافة إلى تدمير معظم المنشآت الحيويّة في البلاد وتهجير رؤوس الأموال هرباً من الحرب، وجاءت السياسات الاقتصاديّة للسلطة في دمشق عاملاً إضافيّاً لتهجير الفعاليات الإقتصاديّة من خلال الضغط عليها واحتكار الإقتصاد لصالح فئة صغيرة مقرّبة من السلطة، دفعت شعوب سوريا ثمن هذه الإجراءات لكن حلفاء السلطة الذين دفعوا أموالاً طائلة في الحرب وجدوا بعض المنافذ الإقتصادية لترميم خسائرهم في سوريا وهي استغلال المرافق الحيوية التي تعود ملكيتها للشعب السوري علماً أن هذه المرافق كانت لتحسّن الوضع البائس للسكان في مناطق سيطرة السلطة.
شاهد/ي: السلطة ومنظومتها الأمنية.. تعديلات بأوجه متعددة
المرافق الحيوية التي يستثمرها حلفاء السلطة
تتميز سوريا بغناها بثرواتها الطبيعيّة من ثروات باطنيّة وثروات زراعيّة هامّة يعززها المناخ الجيّد والتربة الخصبة بالإضافة لتوفّر مياه الرّي، كما تتميز بكونها تمتلك مرفأين بحريين كانا يقومان بأدوار تجاريّة حيويّة حيث يعدّان من أهم المنافذ البحريّة على ساحل المتوسط، لذا صبّت أعين حلفاء السلطة على هذه الثروات وبدأت بتقاسهما بالتعاون مع السلطة في دمشق حيث قدمت الأخيرة كل ما أراده الحلفاء من تنازلات ومن أهم هذه المرافق الحيويّة مرفأ طرطوس، الذي قدّمته السلطه للروس بعقد أجار لمدة 49 عاماً، منذ عام 2019، حيث تسيطر روسيا على جميع الأعمال التجاريّة والجمركيّة والمنطقة الحرّة التابعة للمرفأ طبعاً بالإضافة للقسم العسكري الروسي حيث يؤسس الروس لقاعدة عسكريّة بحريّة لتدوم طويلاً، كما نفذ الإيرانيون لمرفأ اللاذقيّة، دون إعلان صريح من السلطة في دمشق عن هذه السيطرة كما جرى ويجري في مطار دمشق الدولي ، أما مطار حميميم فقد وقّعت روسيا اتفاقاً مع سوريا في أغسطس 2015، يمنح الحق للقوات العسكرية الروسية باستخدام قاعدة حميميم في كل وقت دون مقابل، ولأجل غير مسمى، وحولت جزء كبير منه لقاعدة جويّة للقوات الروسيّة في سوريا، بالإضافة لسيطرتها الأمنيّة وإشرافها على عمل الجناح المدني من المطار، بالنسبة للثروات الباطنيّة فقد ظفر الروس بالفوسفات حسب عقود وقّعها رجل الأعمال الروسي غينادي تيموشينكو، مع السلطة في دمشق، لكنّ شهاداتٍ لعاملين في مرفأ طرطوس أكّدت حصول إيران على حصتها من الفوسفات، الذي يستخرج من الباديّة السوريّة وينقله للمرفأ رجل الأعمال المقرّب من السلطة مهران خوندة من خلال شركة النقل التابعة له، ويُصار إلى نقلها بالسفن إلى دول الوجهة، حيث أكدت مصادر غربيّة هذه المرة وصول الفوسفات السوري لدول الإتحاد الأوربي وبالسعر العالمي، ومن الجدير بالذكر أن الروس يبيعون المزارعين السوريين فوسفاتهم حسب السعر العالمي أيضاً، وإلى جانب الفوسفات حظي رجل الأعمال غينادي تيموشينكو على حقوق حصريّة للتنقيب واسخراج الغاز من حقول الغاز في البادية السوريّة ومنطقة القلمون ومن الساحل السوري الذي يحتوي على كميّات هائلة من الغاز حسب الإكتشافات الأخيرة لغاز المتوسط.
مدى دستوريّة هذه الإجراءات حسب مختصين
يقول مختص القانون الدولي مصطفى س. (45عاماً) (الأمر يعود إلى القوة والسيطرة) حيث أنه وحسب تعبيره في المحافل الدوليّة تستطيع المحاكم الدوليّة اعتبار السلطة في دمشق غير شرعيّة وبالتالي، فإن جميع الإتفاقيات التي وقّعتها هذه الحكومة بعد اندلاع الاحتجاجات غير شرعيّة، ويمكن لهذه المحاكم اعتبار السلطة الممثل الوحيد للسوريين في المحافل الدوليّة وبالتالي فإنّ اتفاقياتها شرعيّة، والامر يعود للمصالح الدوليّة وتوازناتها وظروف المحاكم الدوليّة، أما دستوريّاً فيحق للسلطة عقد اتفاقيات وإلغاء أخرى، أو توقيع عقود، لكن ذلك يجب أن يتم ضمن أطر دستوريّة فلا يحقّ دستوريّاً لأي سلطة التصرّف بأي مرفق سيادي دون الرجوع لمجلس الشعب أو إجراء استفتاء، ومع ذلك فإن قضايا كحقوق أبدية لاستغلال أراضي للدولة، وما شابه ذلك من قضايا مصيريّة تستطيع أي سلطة أن تلغي قوانين السلطة السابقة حتى لو تم اعتماد الإستفتاء الشعبي، ومن دون الطعن بهذا الأستفتاء فهناك حقوق لا يستطيع الناس التصرف بها لأنها ببساطة ليست لهم وحدهم بل لأولادهم ، وبالعودة لما قامت به السلطة في دمشق من عقد اتفاقيات تخصّ المرافق الحيويّة فهي لم تجري استفتاءً ولم تعد لمجلس الشعب، بل ولاتدخل معظم الثروات الباطنيّة ضمن ميزانيّة السلطة الأمر الذي ينفي عنها أي شرعيّة.
شاهد/ي: تأثير وفاعلية.. دور المرأة في حراك السويداء
موقف السكان من تخلّي السلطة عن ثرواتها
“ما إجو لسواد عيوننا” يقول المسنّ حامد خ. ( 85 عاماً) من سكان ريف طرطوس، بعد أن سألته عن موقفه من قضية الأسمدة التي يعجز أبناؤه عن تأمينها لمحاصيلهم، ويقصد أن الروس لم يأتوا لأنهم يحبون الشعب السوري ولأنهم من الدول الصديقة كما تروّج السلطة، ويضيف “مافي شي ببلاش، إذا بيحطّوا ليرة بدن ياخدوا العشرة” موضحاً بأنهم لا يأبهون لفقرنا وجوعنا ولمشاكلنا اليوميّة، هذا الموقف لا يبدو غريباً أو صادماً عندما يُقال في الأجواء العامة حيث يعتبر معظم السكان أن هذا أمراً واقعاً ولا أحد يستطيع تغيير الواقع المرير الذي تعيشه سوريا كل يوم.
أليمار لاذقاني-اللاذقية