أزمات متتالية وقاسية يعيشها الشعب السوري منذ العام 2011، فـ ويلات الأزمة وسياسات السلطة على مختلف الأصعدة، أرهقت السوريين وأغرقتهم بالأزمات، وبات السوريون يصارعون من أجل الحصول على الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والصحة، فضلاً عن أزمات النقل. كل ذلك جعل من رؤية السوريين لواقعهم سوداوية دون أي أمل، حيث يصف غالبية السوريين بلادهم بأنها “غير صالحة للحياة البشرية” كما قيل لنا من خلال مقابلات أجريناها مع بعض السوريين من محافظات مختلفة.
“ثلاث ساعات ونحن ننتظر السرفيس ليقُلّنا إلى عملنا” هذا ما قاله محمد الذي يقيم في أشرفية صحنايا ويعمل مدرس لغة إنجليزية في أحد مدارس دمشق، أما وفاء طالبة جامعية تقول “لا نرى الكهرباء إطلاقاً والشواحن في المنزل لا تعمل والبطاريات فاضية والنتيجة ما في دراسة وناطرين مكرمات السلطة”، أما عبد العزيز، متقاعد يقول” تراكمت الديون عليي واضطريت أبيع الغسالة والتلفزيون لعدم حاجتنا لهم في ظل غياب شبه تام للكهرباء ولإيفاء قسمٍ من الديون”. ما سبق يُعد غيض من فيض مما يعانيه السوريون في مناطق سيطرة السلطة، أنا في دمشق فالأزمات تتعقّد، والأسعار لا تقف عند حدٍّ معين، ولا خدمات، ولا كهرباء، ولا محروقات، ولا وسائل نقل جماعية، فما تشهده دمشق من أزمات متعددة، تعكسها حالة معاناة الأهالي، إذ بات هؤلاء أمام واقع لا يمكن توصيفه، وذلك بالتزامن مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وسط تزايد المؤشرات على حدوث انهيار شبه كامل لمؤسسات السلطة.
شاهد/ي: مستغلّة رمزية الجلاء.. السلطة تحاول استفزاز حراك السويداء
الأوضاع في دمشق وعلى المستويات كافة تتعقّد يوماً بعد يوم، وذلك في ظل إصرار السلطة على ذهنيتها الإقصائية والاكتفاء بإجراءات شكلية تخدم فقط الطبقة الحاكمة وتجار الأزمة، نتيجة لذلك فإن المواطنين في دمشق يحمّلون السلطة مسؤولية الغلاء الفاحش، خاصة أن سياسات السلطة وما تقوم به اقتصادياً، إنما يقوم على سرقة قوت الشعب، ناهيك عن لامبالاتها حيال معاناة الناس، وتركيزها على صناعة وتجارة وتهريب الكبتاغون، فضلاً عن سياسة “التشليح” على الحواجز التابعة للسلطة، كما يتهم المواطنون في دمشق تجار الأزمة الذي هُم على صلة مباشرة مع المتنفذين في السلطة الذين لا همّ لهم سوى جمع الثروات، عبر رفع أسعار المواد التموينية بشكل كبير وهو ما يؤثر بشكل مباشر على الواقع المعيشي، فضلاً عن ارتفاع أسعار المحروقات وندرتها، وهو ما يُعد سبباً رئيساً من أسباب لجوء الأهالي وخاصة الشبّان منهم إلى الهجرة.
إرتفاع الأسعار “الجوع كافر”
يُلاحظ وبشكل جليّ بأن الأسعار في مناطق سيطرة السلطة وتحديداً في دمشق، ترتفع بوتيرة متسارعة، حيث لا ضوابط ولا رقيب، ورغم ادعاء السلطة بأنها تنظّم ضبوط تموينية وبشكل يومي، فضلاً عن الجولات التي تقوم بها وزارة التموين والتجارة الداخلية ، إلا أن ذلك لا يعدو عن كونه محاولة لذر الرماد في عيون السوريين، فالأسواق تغلي، وجيوب السوريين فارغة، وتزاما مع مناسبات عامة مثل عيد الفطر، تزداد معاناة السوريين أكثر فأكثر، وكأن هذا العيد بات نقمة على أهالي دمشق، فالأسعار قفزت إلى مستويات غير مسبوقة، وعلى سبيل المثال تقول فاديا التي فضّلت ذكر أسمها الاول فقط، أنها وخلال جولة مع طفليها بعمر 7 سنوات و5 سنوات، وجدت أنها ليست قادرة على شراء بدل العيد، فالطفلين بحاجة إلى ما يقارب الـ 2 مليون ليرة سورية للباس فقط، ومن الأسواق الشعبية، وتتابع قائلة، راتبي وراتب زوجي لا يتجاوز الـ 500 ألف ليرة سورية، وأختي في هولندا أرسلت لي 100 يورو بمناسبة العيد، لكن كل ذلك لا يكفينا شراء ملابس وحاجيات العيد ومصاريف لباقي أيام الشهر.
في دمشق أينما تحرّكت لا داعٍ لسؤال الأهالي، ويكفي أن تنظر إلى الوجوه لتجد حجم الأسى الذي يعتلي ملامح أهالي دمشق، لكن كان لزاماً البحث عن الأزمات المتعددة التي يعاني منها الجميع، سمير الحلاق، سائق سرفيس على أحد الخطوط الداخلية ضمن المحافظة، يقول لنا “أعمل 12 ساعة يومياً من الساعة السادسة صباحاً وحتى الساعة السادسة مساء، لكن معاناتنا مع محافظة دمشق تتمثل في كمية المازوت والذين يقولون أنه مدعوم، لكن مخصصاتنا تقارب 25 ليتر مازوت يومياً، وهذا لا يكفي أبداً، وعند طلبنا من محافظ دمشق زيادة المخصصات، قال لنا حرفياً أن لا زيادة والمازوت الحر يملئ الأسواق ودبروا حالكن، وللعلم فإن ليتر المازوت الحر يتجاوز 17 ألف ليرة سورية، وفي حال أخذنا زيادة في الأجرة لتغطية النفقات، يقومون بمخالفتنا وإيقافنا عن العمل لمدة شهر، فكيف نأكل ونعيل أُسرنا”.
يتابع سمير، “هذه المعاناة على كافة خطوط العاصمة، ومنذ شهرين أي قبل شهر رمضان، هناك أزمة نقل غير مسبوقة، وتجمعات الأهالي على المواقف وفي الشوارع أمرٌ مؤسف، لكن ليس باليد حيلة، فما الحل؟، ولك أن تتخيل أننا حين نقوم بتعبئة المازوت في مرآب المحافظة، أيضاً نتعرض لمساومات كثيرة، فمثلاً المسؤول عن التعبئة يأخذ من كل سائق 10 آلاف ليرة سورية للتعبئة بسرعة وخارج الدور، واذا أردت تعبئة زيادة عن المخصصات اليومية، فلكل شي هناك سعر خاص، وهذه معاناة جميع السائقين، فكيف نعمل وكيف نأكل، الجوع كافر”.
الفساد في كل مكان في دمشق
قد تكون الأزمة في سورية، ومسار ما يقارب أربعة عشر عاماً من تعقيدات وتشابكات، أثّرت بشكل مباشر في هيكلية السلطة، لكن من يراقب ويتابع ويتعمق في طبيعة السلطة وإداراتها للواقع السوري، يعني تماماً أن الأزمة وما ارتبط بها من عقوبات غربية ضد السلطة، لم تؤثر على ماهية السلطة، بمعنى أن العقوبات لم تنجح في تقويم السلطة وأدائها، بل على العكس، فالسلطة والدائرة المقربة منها تغولت أكثر فأكثر، وأصبح الفساد كالنار تلتهم كل شي، وتداعيات الأزمة ومفرزاتها لم تطال سوى الشعب السوري، فالسوريون باتوا يعلمون تماماً بأن العقوبات لم ولن تنجح في إسقاط السلطة، ولن يتم تعديل الواقع السوري إلا عبر رحيل هذه السلطة.
شاهد/ي: نار تحت الرماد.. درعا عين الجنوب السوري
ما سبق هو بالضبط ما يعاني منه السوريون، لا سيما أن فساد السلطة ومن يضرب بسيفها، هم من يؤرّقون السوريين، وربطاً بذلك، فإن أهالي دمشق يتحدثون عن واقعهم بكل شفافية، ويربطون أزمات الوقود والازدحام وانقطاع الكهرباء وأزمة المياه وحتى القمامة المنتشرة في أحياء دمشق الشعبية، فإن كل ذلك سببه فساد السلطة، ولا رابط بين ذلك والعقوبات، وعليه فان السلطة تأكل العسل وتتنعم بآلام السوريين، وأهالي دمشق يعانون من أزمات وأزمات تزداد تعقيداً، في ظل سلطة فقدت شرعيتها لدى غالبية السوريين.
لا نجافي الحقيقية عندما نقول إن دمشق باتت اليوم أمام ما يمكن تسميته بمناطق الأغنياء ومناطق الفقراء، فـ أحياء المالكي وأبو رمانة والشعلان والحمراء والمهاجرين وأتوتستراد المزة، هي مناطق استثمار السلطة والدائرة المقرّبة منها كـ التجار ورؤوس الأموال والضباط وغيرهم، وهذه المناطق تنعم بالكهرباء والمياه ونظافة الشوارع والأسواق، وكأنها خارج سوريا ولم تتأثر بالأزمة، بينما باقي أحياء دمشق فقاطنيها من رقيقي الحال، ويكفي أن نقول بأن هذه الأحياء لا تخضع لأبسط المقومات الإنسانية.
هذا الفرز المناطقي في العاصمة دمشق، بات واضحاً للعيان، ويُثير امتعاض أهالي دمشق، ولسان حالهم يقول كلنا سوريون، ولماذا هذا الفرز المناطقي، وكما قال عبد المجيد العلي 69 عام وهو متقاعد عسكري، “خدمت هذه السلطة أكثر من 35 عام، وخرجت براتب تقاعدي لا يتجاوز 170 ألف ليرة، وأسكن في حي المزة 86 الشعبي حيث لا كهرباء ولا ماء والقمامة تزكم الأنوف، وسؤالي لرأس السلطة وكل المقربين من هذه السلطة، هل تكفيكم 170 الف ليرة سورية طعاماً لكلاكبم”.
هذه دمشق وهذا ما تعانيه من أزمات، والأهالي ضاقوا ذرعاً بتلك الأزمات، ولا نور في أخر النفق طالما أن هذه السلطة جاثمة على صدور السوريين.
عمار المعتوق- دمشق