فيما يتواصل استهداف قواعد التحالف الدولي ضد “داعش” بالمسيّرات والهجمات الصاروخية في كلٍّ من العراق وسوريا، تزداد التحذيرات من خطر استثمار تنظيم “داعش” الإرهابي ما يحدث لصالحه مستغلّاً في الوقت ذاته الانشغال العالمي بحرب غزة بين إسرائيل وحماس المندلعة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر وتداعياتها، لإعادة تنظيم صفوفه وشنّ الهجمات.
ففي وقتٍ تركّزت الأنظار وبشكلٍ جَدّي على خطورة تنظيم “داعش خراسان” الذي تبنى تنفيذ هجوم موسكو المروّع نهاية الشهر المنصرم، تشير الوقائعُ إلى أن التنظيم المتطرّف بدأ “بخطوات بطيئة ولكن مدروسة” في التأسيس لموطئ قدم له في سوريا، بحسب تقريرٍ لموقع ” فويس أوف أمريكا”، الذي أشار في الوقت نفسه إلى أن “داعش” لا يوفّر أدنى فرصة لشنّ هجماتٍ جديدة ضد ما يعتبره بنكاً لأهدافه سواءً ضد قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي التابعة للإدارة الذاتية من جهة أو قوات الجيش السوري والعناصر الموالية له من جهةٍ أخرى، وأوضحت بيانات القيادة المركزية الأميركية، أن عدد مقاتلي تنظيم “داعش” في سوريا والعراق يبلغ نحو 2500 شخص، أي ضعف التقديرات الصادرة نهاية كانون الثاني/يناير الماضي.
“داعش” التنظيم الإرهابي، “نفّذ بشكل مؤكّد ما لا يقل عن 69 هجوماً في وسط سوريا الشهر الماضي” بحسب مركز “مشروع مكافحة التطرف” في تقريره الصادر بوقتٍ سابق من شهر نيسان/أبريل الجاري.
وأشار “مشروع مكافحة التطرف” الذي يعرّف نفسه بأنه منظمة غير ربحية وغير حزبية للسياسة الدولية تم إنشاؤها لمكافحة التهديد المتزايد للأيديولوجية المتطرفة، إلى أن شهر آذار/مارس “كان الأكثر عنفاً في تمرّد داعش في البادية السورية وسط البلاد منذ أواخر عام 2017، حينما فقد التنظيم السيطرة على مناطق استولى عليها”.
شاهد/ي: في دمشق… السلطة تُغرق الأهالي بالأزمات
نشاط داعش لم يتوقّف
هجمات “داعش” لم تتوقف ولم تنخفض وتيرتها رغم كلّ الجهود المبذولة للقضاء على خلاياه النائمة وعناصره التي تنشط هنا وهناك لاسيما كما ذكرنا في شرق سوريا أو باديتها، ففي محافظة دير الزور وبتاريخ الخامس عشر من شهر نيسان/أبريل الجاري استهدف مسلحون مجهولون تابعين (بحسب مصادر محلية) لخلايا التنظيم بالأسلحة الرشاشة دورية تابعة لقوات سوريا الديمقراطية أثناء توزيع المياه على النقاط العسكرية، على أطراف الحوايج بريف المحافظة الشرقي، دون ورود معلوماتٍ عن خسائر بشرية، ويأتي ذلك في ظل استمرار التنظيم محاولة إثبات وجوده في المنطقة.
وفي السابع عشر من الشهر الجاري أيضاً وبالمحافظة الشرقية ذاتها أُصيب شاب يعمل في استثمار النفط بجروح إثر إطلاق الرصاص المباشر عليه من قبل ملثّمين ينتمون لخلايا تنظيم “داعش” بعد مطالبتهم للأخير دفع مبلغ مالي كزكاة للتنظيم وامتناعه عن دفعه لهم، في منطقة حراقات النفط في بادية بلدة الجرذي الشرقي بريف دير الزور الشرقي.
وفي محافظة الرقة (وسط وشمال سوريا) في منتصف الشهر الجاري تحديداً استشهد عنصرٌ من قوى الأمن الداخلي” الأسايش” بالرصاص المباشر على يد مسلحين اثنين يستقلّان دراجة نارية ويرتديان زيّ “الأسايش”، ينتميان لخلايا تنظيم “داعش” بحسب شهود عيان، إثر إطلاق النار عليه في مزرعة بدر بريف الرقة الشرقي، حيث تشهد المنطقة انتشاراً واسعاً لخلايا “التنظيم” واستهدافات عديدة.
وبالعودة إلى محافظة دير الزور، وبحسب مصادر محلية فقد استهدف مسلحان يستقلان دراجة نارية، يرجّح تبعيتهما لخلايا التنظيم بالأسلحة الرشاشة، عربة عسكرية تابعة لقوات “الكوماندوس” في “قسد”، عند بلدة الرويشيد بريف دير الزور الشمالي دون ورود معلومات دقيقة عن أيّ خسائرٍ بشرية، وسط معلومات عن استنفار عسكري ووصول تعزيزاتٍ لقوات سوريا الديمقراطية والأمن الداخلي “الأسايش” إلى موقع الحادثة.
ومن الجنبة الثانية أي فيما يخصّ استهداف عناصر التنظيم المتطرف قوات الجيش السوري والعناصر الموالية له، فقد ارتفعت حصيلة الهجوم الدموي الذي شنّه عناصر “داعش” على حافلة مبيت عسكري تابعة لتلك القوات في منتصف شهر نيسان/أبريل إلى 22 قتيلاً غالبيتهم من “لواء القدس”، بالقرب من قرية الطيبة بريف حمص الشرقي، حيث تمّ الاستهداف بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، بحسب مصادر محلية، كما ارتفع عدد قتلى قوات الجيش السوري في هجوم آخر نفّذه عناصر من تنظيم “داعش” على مقرّاته في قرية حسرات بريف مدينة البوكمال شرق ديرالزور إلى 6، بالإضافة إلى أسر عنصرَين.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، فقد بلغت حصيلة القتلى خلال العمليات العسكرية ضمن البادية السورية وفقاً لتوثيقات المرصد 301 قتيلاً منذ مطلع العام 2024، هم:
24 من تنظيم “داعش” على يد قوات الجيش السوري والعناصر الموالية له.
240 من قوات الجيش والعناصر الموالية له، من ضمنهم 25 من الفصائل الموالية لإيران من الجنسية السورية، قتلوا في 115 عملية لعناصر التنظيم المتطرف ضمن مناطق متفرقة من البادية، تمت عبر كمائن وهجمات مسلحة وتفجيرات في غرب الفرات وبادية دير الزور والرقة وحمص.
و37 مدني بينهم طفل وسيدة بهجمات التنظيم في البادية.
وفيما يخصّ مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا فقد واصلت قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي التابعة للإدارة بدعمٍ من قوات التحالف الدولي عملياتها لملاحقة واعتقال خلايا تنظيم “داعش”، والتي بلغت بحسب مصادر محلية مؤكّدة منذ بداية العام الجاري 2024، 14 عملية مشتركة بين قوات التحالف الدولي وقسد، والتي أسفرت عن اعتقال ومقتل 55 عنصراً من خلايا التنظيم بينهم جنسيات أجنبية.
أهم أسباب استمرار نشاط خلايا داعش
إن أسباب عودة “داعش” وتوسيع نطاق عملياته داخل سوريا لاسيما في مناطق الشرق والبادية، إنما عائدةٌ لهشاشة الوضع الأمني وعدم الاستقرار السياسي بالدرجة الأولى، وترجع إلى عدّة أسباب سنأتي على ذكر أهمها:
أولا: الوضع الاقتصادي المتردي في معظم مناطق سوريا والذي سمح للتنظيم بتجنيد السكان المحليين للحصول على المعلومات الأمنية والإحداثيات حول المواقع العسكرية وربما تحرّكات قطعاتها.
ثانياً: ضعف المساعدات الإنسانية الخارجية، لا سيما لمناطق الإدارة الذاتية بعد إغلاق معبر اليعربية المنفذ الحدودي الوحيد مع دول الخارج.
ثالثاً: الوضع السياسي المتأزم وعدم رغبة دمشق الجلوس والتفاهم مع الإدارة الذاتية للحيلولة لإيجاد تفاهمات أمنية تكون عائقاً أمام خطط التنظيم المتطرف في مناطق شرق والبادية السورية التي ينشط فيها خلاياه النائمة.
شاهد/ي: مستغلّة رمزية الجلاء.. السلطة تحاول استفزاز حراك السويداء
رابعاً: استمرار أزمات المعتقلات والمخيمات التي تُحتجز فيها عناصر “داعش” لاسيما مخيم “الهول” الذي يُوصف بأنه “خزان بشري” احتياطي لمقاتلي “داعش”، وعدم استعادة الدول رعاياها. فمنذ عام 2017 وحتى اليوم لم تتخذ الدول خطوات واضحة وجدّية لاستعادة رعاياها الذين كانوا تحت سيطرة “داعش” أو من الذين قاتلوا مع التنظيم، رغم المناشدات المتكررة للإدارة الذاتية من أجل إيجاد حلٍّ شامل للمخيمات وقاطنيها و”الهول” على وجه الخصوص.
خامساً: الاحتلال التركي لعدد من مناطق شمال سوريا وتوفير ملاذاتٍ آمنه لعناصر وقيادات التنظيم المتطرف في المناطق المحتلّة، ومقتلُ جلّ قيادات التنظيم في السنوات القليلة الماضية هناك خير دليل على ذلك.
ختاماً ففي ضوء ما تمّ الحديث عنه، يرى مراقبون ومختصون بالجماعات المتشددة والإرهابية أنه ينبغي على أعضاء التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في الشمال الشرقي من سوريا توسيع دعمه السياسي والاقتصادي، لا سيما إلى المناطق التي يتعرض فيها السكان لمخاطر عالية جرّاء جهود التنظيم في تجنيد أفراد جدد، مثل الرقة ودير الزور، وزيادة المساعدات المادية لقوات الأمن وتدريبها وكذلك لقوات سوريا الديمقراطية لتنمية قدراتها التسليحية والعسكرية لمواجهة أيّ تهديد يضر باستقرار المنطقة.
كما ينبغي على السلطة في دمشق وموسكو أيضاً والرأي للمختصين أنه يجب تأمين خطوط السيطرة في البادية، بالنظر إلى أن تزايد قوة تنظيم “داعش” في الشرق سيمكّنه قريباً من محاولة تعزيز قوة خلاياه في الصحراء وسط البلاد بمجندين جُدد وإمدادات جديدة، وستكون حقول النفط والغاز عُرضة للهجمات إذا عاد التنظيم بأعداد كبيرة. من غير المرجح أن يشكّل التنظيم المتطرّف التهديد العالمي الذي شكّله عندما كان يحكم “خلافته” المزعومة قبل بضع سنوات. لكن في الظروف المواتية، يمكنه أن يستغل الشقاق في أوساط أعدائه وتشتيت انتباههم لتوسيع سيطرته العسكرية والمالية وفرض المزيد من البؤس على حياة السوريين في المناطق التي ينشط فيها.
فاستمرار نشاط تنظيم “داعش” في مختلف الساحات وعلى الساحة السورية على وجه الخصوص على الرغم من الضربات الأمنية المتلاحقة التي تعرّض لها، مؤشّرٌ خطير على أن الأخير هُزم كدولة “خلافة مزعومة”، ولكنه باقٍ كتنظيمٍ إرهابي قادر على تهديد السلم والأمن الدولي والإقليمي، الأمر الذي يستدعي من المجتمع الدولي إعادة النظر في ترتيب أولوياته الأمنية مرة أخرى، لأن هناك خطر حقيقي مرتبط بإعادة اكتسابه نفوذه حال تخفيف الضغط المُمارس عليه في إطار مكافحة الإرهاب، لا سيما مع استمرار عدد كبير من المحفّزات المرتبطة بظهوره مجدّداً.
وسيم اليوسف-إعلام مسد