Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

للوهلة الأولى ظن البعض من متابعي الشأن السوري، بأن مشاركة رئيس السلطة في اجتماعات القمة العربية، لا سيما بنسختيها الأخيرتين “القمة الاستثنائية في جدة أو قمة البحرين – المنامة”، جاءت كـ طي صفحة طويلة من الخلافات بين السلطة والدول العربية والخليجية، أو انفتاحاً على السلطة ما يعني تعويمها إقليمياً ودولياً، إلا أن الواقع وفق المنظور السياسي، يضعنا أمام واقع بحقائق واضحة، فـ مشاركة الأسد في القمة العربية سواء في جدة أو المنامة، لا تعني استئناف العلاقات بين السلطة والدول العربية، ولا تعني تخفيفاً من عزلة السلطة الدبلوماسية، الأمر الذي ترجمه أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية، بقوله “استئناف العلاقات مع دمشق هو أمر متروك لكل دولة لتقرير ذلك وفق رؤيتها”، وهذا يعني بأن لا قرار عربي بالاجماع على عودة السلطة إلى محيطها العربي أولاً، والأمر الأخر بأن تصريحات أبو الغيط تميط اللثام عن حقيقة واضحة مفادها بأن هناك معوقات كثيرة أمام عملية التطبيع العربي الكامل مع السلطة، والدول العربية والخليجية ليست متفقة على هذا المسار.

ولعل من أبرز الدول الرافضة لاستئناف العلاقات مع السلطة، أو تلك التي تضع قيوداً وشروطاً على إعادة مسار التطبيع مع السلطة، هي قطر والمغرب والكويت واليمن وضمناً الأردن ومصر، وللمفارقة فإن عمان والقاهرة قادتا جهود التطبيع مع السلطة، إلا أن تعنت السلطة ورفضها للمبادرة العربية المتمثلة بمبادرة خطوة بخطوة، وضعت تلك المبادرات على الهامش، ولابد من التنويه بأن كل الدول العربية والخليجية تشترط أن تقدم السلطة تنازلات سياسية قبل البدء بعملية التطبيع الكامل، على رأسها إجراء عملية مصالحة سياسية تشمل تأمين عودة اللاجئين ونشر قوات عربية لحمايتهم، وبهذا المعنى فإن عودة السفير السعودي إلى دمشق، لا تمثل أي قيمة سياسية أو دبلوماسية، بقدر ما هي مراقبة سياسية عن كثب لمدى استجابة السلطة لبنود وشروط المبادرة العربية.

وبالعودة إلى الوراء قليلاً، فإنه ومع بداية الأزمة السورية، وممارسات السلطة تُجاه المتظاهرين المطالبين بإسقاط النظام السياسي في دمشق، فقد تلقت السلطة آنذاك صفعة قوية من قبل الجامعة العربية، حيث أقرت الأخيرة تعليق عضوية دمشق في الجامعة، ورغم الضغوط الإقليمية والدولية ضد السلطة بغية إجبارها على التخلي عن الحُكم، إلا أن رأس السلطة بقي متمسكاً بكرسي الحكم، مدعوماً من قبل روسيا وإيران، لكن ثمة تقاطعات كثيرة كانت السبب الرئيس في توصيف الرغبات العربية والخليجية لإعادة التطبيع مع دمشق، خاصة أن الحال الذي وصل إليه السوريين وما يعانيه غالبية الشعب السوري من أوضاع اقتصادية ومعيشية غاية في الصعوبة، وتعنت السلطة بالقرار السياسي، كلها أسباب دفعت بعض الدول العربية والخليجية لتقديم مبادرات قد تكون سبباً في خلاص السوريين.

شاهد/ي: ترهيب المدنيين في درعا.. استراتيجية السلطة لإفراغها من المعارضين

وقد بدأت فعلياً عودة الدول الخليجية الى دمشق من قبل الإمارات والبحرين اللتان تحركتا عام 2018، حيث تم إعادة افتتاح سفارتيهما في دمشق، ورغم تسويق السلطة بأن هذه العودة لها مفاعيل سياسية واقتصادية، ورغم تسويقها بأن العرب عادوا صاغرين الى دمشق، إلا أن السوريين بقوا في أزماتهم، ولم تكن تلك العودة كفيلة برفع معاناة السوريين الاقتصادية والمعيشية، بل على العكس فـ منذ العام 2018، تدهورت أوضاع السوريين وتعمقت أزماتهم، في وقت مارست فيه السلطة ضد السوريين كل السياسات التي من شأنها إجبار السوريين على ترك بلادهم، والهرب من الفقر والعوز.

وعقب الزلزال الذي تعرضت له سوريا، والذي كان بمثابة الورقة الذهبية بالنسبة للسلطة، حيث وجراء الكارثة التي تعرض لها السوريين، فقد بدأت العديد من الدول الإقليمية والدولية بإرسال المساعدات للسوريين، والتواصل مع السلطة الحاكمة في دمشق، الأمر الذي وضعته الأخيرة في إطار طي صفحة الخلاف؛ حينها بدأت الرياض تُظهر الاهتمام بمعاناة السوريين، وعملت على إعادة دمج السلطة في المحيط العربي مجدداً، وجراء ذلك صرّح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود بأن “عزل سوريا لا يُجدي نفعا”.

لكن التحرك السعودي تجاه السلطة لم يكن نتيجة “انتصار الأسد”، بحسب ما سوقته السلطة وأبواقها، لكن السعودية ونتيجة رؤية ولي العهد السعودي 2030، فهي ترغب في إعادة ترتيب المشهد الإقليمي، وحل الصراعات في الجوار السعودي بما في ذلك حرب اليمن والحرب  في سوريا من أجل التركيز على التنمية الاقتصادية، وهذا ما يؤكد بأن السعودية لا تعمل كـ طرف في الصراع السوري أو تقف في جانب أحد من طرفي الصراع، بل تقدم نفسها كـ وسيط يُقدم المبادرات ويقترح الحلول، وفي جانب آخر تمارس ضغوطاً ضد السلطة بغية إجبارها على تطبيق القرار 2254، وهذا ما ترجمه صراحةً البيان الختامي للقمة العربية في المنامة.

معوقات إتمام مسار التطبيع العربي والخليجي مع السلطة

ثمة عامل فاعل ومؤثر على قرار السلطة الحاكمة في دمشق، إذ لا يمكن إغفال دور وفاعلية العامل الإيراني في مصادرة قرار السلطة، والتأثير عليها في أي مبادرة من شأنها إنهاء معاناة السوريين، فـ إيران وجراء تدخلها في سوريا بطلب من رأس السلطة، استحوذت على غالبية مقدرات السوريين، وبات خروجها من سوريا رهناً بدفع أثمان تدخلها ودعمها لبقاء السلطة، ونتيجة لذلك فإن طهران ترى بأن أي تقارب عربي خليجي مع السلطة يُهدد التواجد الإيراني في سوريا، وهي لا ترغب بفقدان ما تُسميه بمناطق نفوذها وعمقها الإستراتيجي “وطريقها إلى القدس”، وهي أيضاً لا ترغب بأن ينتشي رأس السلطة بعودة العرب إلى دمشق، كي لا يترجمه رأس السلطة على أنه انتصار، الأمر الذي سيؤثر على المكتسبات الإيرانية في سوريا.

وفي المقابل فإن الدول العربية والخليجية تسعى من خلال هندسة مسار التطبيع مع السلطة، إلى كف يد إيران عن الملف السوري، واستباحة الحدود السورية وتحويلها إلى معابر لتهريب المخدرات والأسلحة إلى دول الجوار السوري، وبصرف النظر عن عودة العلاقات الإيرانية السعودية، إلا أن ذلك لا يعني تفاهمات إيرانية سعودية على الملف السوري، بقدر ما يعني ذلك ترتيباً إقليمياً تقتضيه شبكة معقدة من المناورات الدبلوماسية والاقتصادية، والتي تستفيد منها إيران لتعزيز طموحاتها الإقليمية، وفك عزلتها الدولية، وتحايلاً على العقوبات الأمريكية.

شاهد/ي: ريف حمص الشمالي.. صرخات مكتومة تطالب بفضح انتهاكات السلطة

النقطة الأهم والتي لابد من توضيحها، بأن طريق التطبيع مع السلطة لن يكن مُعبداً بالياسمين، فـ الصمت الأمريكي عن مشاركة الأسد في اجتماعات القمة العربية، أو إعادة السفير السعودي إلى دمشق، أو اي شكل من أشكال التطبيع مع السلطة، لا تعني إطلاقاً بأن الولايات المتحدة ستسمح لرأس السلطة بالظهور رسمياً في المسرح الدولي، ورغم كل ما يشاع من مبادرات عربية هنا أو هناك، أو بأن هناك رغبات دولية ترغب بالتواصل مع السلطة الحاكمة في دمشق، فإن كل ذلك لا يعدو عن كونه دغدغات سياسية لا تأثير لها، فـ إصرار واشنطن على القرار الأممي 2254، وضرورة تطبيقه، وما يهدف إليه حيال إنهاء الصراع السوري، عبر متابعة الانتقال السياسي، هو القيد الأكبر على أي مسار تطبيع مع السلطة ورأسها، خاصة أن صانع القرار الأمريكي لا يرى أي مصلحة استراتيجية أو حيوية في إعادة التطبيع مع دمشق.

باب الشرعية مقفل

إذاً ومن خلال ما سبق، فإن أي ثمار متوقعة جراء حضور رأس السلطة القمة العربية الأخيرة، أو في ما يتعلق بعودة السفير السعودي إلى دمشق، أو أي مبادرة عربية حيال سوريا، لن تتعدى أي مستوى سياسي أخر، طالما أن السلطة لا تزال ممسكة بخيوط الحل، وتضع أوراقها في الحضن الإيراني والروسي، وما يزيد المشهد تعقيداً بالنسبة للسلطة ورأسها، أن أي دول ترغب في تعويم السلطة، لن تتمكن من فعل ذلك جراء العقوبات والقيود الأميركية القائمة، وأهمها قانون قيصر وقانون الكبتاجون، وهذا ما يعني أن لا شرعية للسلطة، ولا فائدة من إعادة دمجها في المحيط العربي.

أخيراً، كل المعطيات تؤكد بأنه من الصعب أن تؤتي عملية إعادة تأهيل السلطة ثمارها السياسية، فالدول العربية وكل مبادراتها السياسية لن تفلح في تقويم سلوك هذه السلطة، كما أن كل المساعدات العربية لن تسهم في تحسين أوضاع السوريين المعيشية، بل ستسهم في إثراء السلطة وزيادة قسوتها وإطالة عمرها، ويمكن القول صراحةً أن التطبيع مع السلطة قد يؤدي إلى ثمار سياسية محدودة للدول العربية، لا سيما الدول الخليجية التي تسعى في خضم الانفتاح النسبي على إيران لتسوية الصراعات في اليمن وسوريا، وتمهيد الطريق لحل الأزمة الإنسانية في البلدين، ولكن على المدى البعيد، فإن طبيعة السلطة الحاكمة في دمشق والتي رهنت خياراتها مع روسيا وإيران، تجعل من الصعوبة بمكان أن يحقق التطبيع نقلة نوعية في الحل السوري، كما أن حالة الانقسام العربي والخليجي حيال مقاربة الملف السوري، تعني أن التطبيع الكامل مع السلطة لا يزال طريقاً مثيراً للخلافات، وهدفاً بعيد المنال.

عمار المعتوق-دمشق

المشاركة