بين الفينة والأخرى، تنشط دوريات الجمارك في أسواق دمشق، الأمر الذي يستغربه السوريون على اعتبار أن الأسواق في مناطق سيطرة السلطة، تُشرف عليها وزارة التجارة الداخلية ومديريات التموين، إلا أن المشهد الذي يستغربه السوريون، يضعهم أمام واقع جديد رغم صدور مراسيم تمنع دوريات الجمارك من اقتحام الأسواق، والاكتفاء بممارسة مهامها على الحدود والمعابر الشرعية وغير الشرعية.
وقد بات السوريون والتجار منهم على وجه الخصوص، يدركون بأن الجمارك هي من تقوم بتسهيل حركة المُهربين، وتحديداً من لبنان إلى دمشق عبر مسار مُحدد. هذا المسار والذي يعرف بخط الجمارك، بات مقصداً لغالبية التجار، والذين يقومون باستجرار بضائعهم من لبنان، نظراً لِما يصفه البعض بتعقيدات إصدار بيان جمركي، أو وثيقة استيراد، ويُعلل البعض هذا الأمر نتيجة الأموال الطائلة التي يدفعها التاجر، لقاء تسهيل إصدار بيان جمركي أو شهادة استيراد.
لكن في المقابل فإن الجمارك السورية أيضاً تُقدم تسهيلات للتاجر السوري. هي تسهيلات لا يُضطر للمرور بها عبر طريق السلطة، لكنه وبالمفهوم الشعبي “يُرضي الضابطة الجمركية”، كي تقوم بتسهيل مرور بضاعته دون مصادرتها. لكن المفارقة أن غالبية التجار باتوا في الآونة الأخيرة في حيرة من أمرهم، خاصة أن ذات الدورية التي تُسهل تهريب البضائع، تقوم بعد أيام بإرسال دورية مداهمة إلى المستودعات التي وصلت إليها البضائع، الأمر الذي أربك التجار، فهم يقومون بالدفع مرتين، الأولى لتسهيل مرور البضائع، والثانية لإرضاء دورية الجمارك “وأخذها المعلوم”، وإلا ضبطٌ تمويني بمئات الملايين من الليرات السورية.
شاهد/ي: قصص مأساوية لمعتقلات سوريات.. تعذيب وترهيب ممنهج في زنازين الرعب
الجمارك والأرباح المضاعفة
ما يسميه السوريون شرعنة الفساد يبدأ من الضابطة الجمركية، إذ يؤكد أحد تجار دمشق رفض الكشف عن اسمه، وهو تاجر يقوم باستجرار مواد تجميل أجنبية المصدر من لبنان، “أن الأمر واضح جداً لعموم السوريين، إذ أقوم بالتواصل مع خفير يعمل في إحدى الضابطات الجمركية في معبر جديدة يابوس، لتسهيل مرور الشحنة الخاصة بي، والتي تحتوي على مواد تجميل، لقاء مبلغ مالي يقارب 800 دولار عن كل شحنة”.
يتابع التاجر السابق، قائلاً: “في الآونة الأخيرة داهمت دورية جمارك مستودعاً خاصاً بي في منطقة الحمراء وسط دمشق، وكانوا على علم بما يحتوي المستودع، واستطعت بعد مفاوضات مع أحد عناصر الدورية أن يقوموا بتخفيض قيمة الغرامة من 450 مليون إلى 200 مليون، الأمر الذي أجبرني لبيع مصاغ زوجتي الذهبي لدفع المبلغ 150 نتيجة ضربة الجمارك”.
التاجر ذاته يؤكد، أن العنصر عاد إليه في اليوم التالي وطلب 50 مليون ليرة لقاء خدمته في تخفيض مبلغ الغرامة. بعد مفاوضات وصلوا إلى مبلغ 20 مليون ليرة، وكان مضطراً للدفع لأن العنصر هدده بمداهمات متكررة في حال لم يقم بالدفع.
كيف تدخل المهربات إلى سوريا؟
أثناء إعداد هذا التقرير، توصلنا إلى طريقة إدخال المهربات إلى سورية، وقد أخبرنا مصدر يعمل على أحد خطوط التهريب، أن بضائع كثيرة يتم تهريبها يومياً من لبنان إلى دمشق عبر “الجمارك نفسها”، ويؤكد أنه وغالبية المهربين يقومون برشوة الجمارك على الحدود مع لبنان لإدخال البضائع، وذلك لأن الرسوم الجمركية أصبحت مرتفعة جداً وغير منطقية بالنسبة للتجار، وأسعار السلع ارتفعت أضعافاً بموجب ذلك، إضافةً إلى أن دوريات الجمارك تسببت بالكثير من المشكلات للعديد من التجار رغم أن بعض البضائع تدخل بشكل نظامي.
يشير المُهرب إلى أن أغلب تلك البضائع المهربة تدخل دمشق عبر عناصر تعمل مع الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري، والأخيرة بدورها تقوم بالتنسيق مع الجمارك، لكن رغم ذلك، تعود دوريات الجمارك، وأحياناً دوريات تابعة للفرقة الرابعة لضرب المستودعات والمحال ضمن أسواق دمشق عبر أسلوب الوشاية أو ما يُعرف بـ الإفسادية، حيث لا تتحرك الدوريات بشكل عشوائي بل بشكل مقصود.
مسارات التهريب
مصدر خاص في الضابطة الجمركية، أكد لنا أن بعض القرى في جبل الشيخ بـ ريف دمشق، تُشكل ممراً حيوياً لتجار ومهربين سوريين، إذ تنشط حركة التهريب بين لبنان وسوريا عبر قرى شبعا وعين عطا من الجانب اللبناني، مع القرى المقابلة من الجانب السوري، نظراً لأن كلفة نقل تهريب البضاعة عبر هذا الخط أقل من خط لبنان، عبر حمص إلى دمشق.
شاهد/ي: المسارات السياسية للأزمة السورية بين التجميد وتقاذف العناوين
المصدر ذاته أكد أن سبب لجوء بعض التجار لهذه الطرق غير الشرعية، يعود لصعوبة حصولهم على إجازة استيراد لبعض المواد، وكذلك لتدخل الجمارك التابعة للسلطة في عمليات الاستيراد للحصول على نسبة معينة، فضلاً عن صعوبة إجراءات التخليص الجمركي لبعض البضائع.
في هذا الإطار أكد لنا و.ن (54 عاماً) وهو تاجر مواد غذائية، أن عمليات الاستيراد النظامية باتت مُكلفة جداً نتيجة تدخل الجمارك وفرض الأتاوات على التجار لقاء إدخال بضائعهم بطرق قانونية سواء عبر البر أو البحر، فضلاً عن سيطرة بعض رجال الأعمال المحسوبين على السلطة على معظم إجازات الاستيراد، وبالتالي كان لا بد من إيجاد مخرج خاصة أنّنا كـ تجار خارج دائرة السلطة الاقتصادية.
عموماً فإن حركة التهريب بين لبنان وسوريا لا تهدأ، إذ تتم غالبية عمليات التهريب عبر معابر غير شرعية، لنقل شتى أنواع المنتجات، وفي الوقت الذي تدعي فيه السلطة محاولتها مكافحة التهريب وتعمل على إيقافه تحت ذريعة الضرر الذي يصيب الاقتصاد الوطني، تنشط عمليات التهريب عبر خطوط برية مع لبنان، وتشرف عليها بشكل مباشر أجهزة أمنية تابعة للسلطة تُهرب وتدخل بضائع متنوعة إلى دمشق.
عمار المعتوق- دمشق