Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

قبل الغوص في ملف المعتقلات السوريات لدى سجون السلطة، لابد من التذكير بأن السلطة الحاكمة في دمشق، ومن أجل تثبيت حكمها وبقائها ضاغطة على رقاب السوريين، ومن أجل ترهيب المجتمع السوري وكتم أصوات معارضيها، فقد عمدت السلطة إلى إنشاء محاكم ميدانية أو عسكرية، لا تعتمد مبدأ استقلال القضاء وسيادة القانون، بل ترتكز تلك المحاكم على اعتبارات سياسية وشخصية، ضاربة عُرض الحائط بكل القوانين والقرارات الدولية، والأهم أن تلك المحاكم لا تعتمد منهجاً قانونياً، وهذا مخالف شكلاً ومضموناً للدستور السوري، وحريّ بالقول أن في سوريا، ومنذ استلام “حزب البعث” السلطة في سوريا، صدرت الكثير من القوانين والمراسيم التشريعية المتعارضة مع الدستور القائم آنذاك، والتي أسست لحكم استبدادي، من بينها إنشاء محاكم استثنائية، منها محاكم الميدان العسكرية، ومحكمة أمن الدولة، ومحكمة الأمن الاقتصادي وغيرها.

في ذات السياق فإن السلطة وعلى مبدأ ذر الرماد في عيون المجتمع الدولي، وإيهام الجميع بأنها بصدد الانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة، فقد عمدت إلى إنهاء العمل بـ ما يُسمى محاكم الميدان العسكرية الاستثنائية المخالفة للشرعية القانونية والدستورية والدولية، الأمر الذي تخوّف منه ناشطون لجهة أن يكون هدف السلطة من تلك الخطوة، هو التنصّل من قضايا آلاف المعتقلين المدنيين، والذين تم إعدامهم بموجب أحكام صُدرت بحقهم من تلك المحاكم، وتم شطب أسمائهم من السجلات.

ربطاً بما سبق، فإن سجون السلطة تكتظ بالمعتقلات السوريات اللواتي طالبن بحريتهن، أو قاموا بالعمل في المجال التطوعي أو الإغاثي في المناطق المنكوبة، والتي شهدت قصفاً عنيفاً من قبل السلطة، وفي بعض الحالات كان الإعتقال تعسفياً نتيجة ارتباط بعضهن بصلات قرابة أو أخوة مع أحد المعتقلين، وضمن ذلك فإن السلطة لا تراعي في مراكز الاحتجاز العائدة للأفرع الأمنية أية اعتبارات لطبيعة النساء المحتجزات أو احتياجاتهن، بل تخضعهن لظروف الاعتقال ذاتها التي تحتجز فيها الرجال، كما يتعرضن لكافة أشكال وأساليب التعذيب التي يتعرض لها الرجال، وفي حالات كثيرة تُعتقل النساء بصحبة أطفالهن، أو تُعتقل نساء حوامل، ويحرمن من كافة احتياجاتهن الجسدية أو النفسية.

شاهد/ي: المسارات السياسية للأزمة السورية بين التجميد وتقاذف العناوين

المشهد السابق عبّرت عنه إحدى المعتقلات السابقات في سجون السلطة، حين قالت سمر الحموي (اسم مستعار)، رغم أنه لا ناقة لي ولا جمل في كل ما حدث في سوريا، إلا أنني لم أسلم من سياط السلطة وبطشها، لا لشيء، وإنما فقط لأن أخي الوحيد تم اعتقاله على أحد حواجز السلطة قرب مدينة حماه، كان ذلك في الشهر الثالث من عام 2014، وأخي حتى اليوم لا نعلم عنه شيء، وأنا تم إعتقالي بعد شهرين من اعتقال أخي، وبقيت في السجن 9 أشهر، تعرضت خلال مدة إعتقالي لأبشع صور التعذيب.

تروي لنا سمر معاناتها في سجون السلطة، رغم أنها لم تفعل أي شيء، ورغم أنها تعمل في مجال الخياطة النسائية، لكن التهمة الوحيدة أنها شقيقة معارض طالب بالحرية والديمقراطية وبإسقاط السلطة، حيث وصفت سمر حجم التعذيب والإرهاب النفسي الذي يتعرض له المعتقلون من قبل السلطة، وتحدثت عن معاناتها وتعرضها لشتى أنواع التعذيب الجسدي والضرب بالعصي الغليظة، وتابعت أن ظروف إعتقالها وطبيعة السجن والتعذيب المستمر كان سبباً في إصابتها بمرض مزمن في الرئتين، ولا تزال تحت العلاج رغم خروجها من السجن منذ ما يقارب العشر سنوات.

ورغم الكثير من القصص المأساوية التي عانت منها المعتقلاتُ في سجون السلطة، إلا أن كل تلك الممارسات تبقي طي الكتمان، ورغم تسريب الكثير من صور التعذيب وسرد العديد من قصص التعذيب النفسي والترهيب وحتى الاغتصاب، إلا أن ذلك لم يشكل دافعاً للمجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات عقابية ضد السلطة وبشكل مباشر، ولعل قيصر الذي فضح ممارسات السلطة في سجون الاعتقال، والذي سرّب الكثير من صور وفيديوهات المعتقلين والمعتقلات، إلا أن الولايات المتحدة اكتفت بقانون قيصر وفرض عقوبات على السلطة، لتبقى مأساة السوريين والمعتقلات في سجون السلطة، شاهداً على أفظع الجرائم التي تُرتكب ولا تزال بحق غالبية السوريين.

“أصاب بالهلع لمجرد تذكري”

من أين أبدأ وثمة جرح عميق في نفسي.. هذا ما قالته وحيدة ف 48 عاماً ممرضة سابقة في أحد المشافي الوطنية في مناطق سيطرة السلطة؛ تؤكد وحيدة بأنها تُصاب بالهلع لمجرد تذكرها ما تعرضت له في التحقيق، وتقول تم شبحي لمدة خمس ساعات متواصلة، وكان السجانون يقومون بتعذيبنا بأساليب متعددة، ويتنافسون فيما بينهم باختراع أسلوب أكثر وحشية، كأننا فرائس لحيوانات ضارية، وفي المعتقل رأيت الكثير من الظلم لإناث وأطفال لم تتجاوز أعمارهم 16 عاما؛ إحداهن كانت تعمل في فلاحة الأرض لإعالة أهلها، ولم تكن تعرف سبب اعتقالها، وفي إحدى المرات عادت من التحقيق ووجهها محروق إثر رميها بإبريق ماء مغلي.

تروي لنا وحيدة ظروف إعتقالها قائلة، مع بداية الأزمة السورية وخروج المظاهرات، لجأت السلطة إلى إطلاق النار بشكل مباشر على المتظاهرين، ما تسبب بوقوع العديد من الإصابات، وأنا في منطقتي معروفة كـ ممرضة، وفي أحد الأيام وكان ذلك بعد ساعات الظهيرة بقليل، خرجت مظاهرة وسمعت الكثير من العيارات النارية، ومن ثم يرن جرس منزلي لأتفاجأ بثلاث شباب يحملون صديقهم وقد غطت جسده الدماء، وقالوا لي “خالة بدنا مساعدتك”، وأنا كممرضة يحتم علي الواجب الإنساني مساعدته، وبالفعل قمت بتطبيبه ومعالجته ورحلوا.

تتابع وحيدة، وبعد حوالي ثلاثة أيام، وأثناء تواجدي في قسم التمريض في المشفى، تم إعتقالي من قبل فرع الأمن العسكري في المدينة، وتعرضت لشتى أنواع التعذيب، وتم إتهامي بأنني أساعد الإرهابيين وأرسل لهم الأدوية على إعتبار أنني ممرضة، وبعد شهرين تم نقلي لسجن عدرا المركزي، وعُرضت على المحكمة، وبعد أربعة أشهر تم إطلاق سراحي عن طريق واسطة من قبل بعض المعارف.

معتقلات في الجانب الآخر

في المقلب الآخر فإن النساء في مناطق سيطرة الفصائل المدعومة تركياً، تتعرضن لـ انتهاكات عديدة. هذه الانتهاكات تتمثل في حالات الإعتقال تحت ذرائع متعددة، بعضها بحجة العمالة لصالح السلطة، وغيرها من التّهم، الأمر الذي يعرّض النساء في تلك المناطق إلى الإساءة البدنية التي تتعرضن لها ضمن سجون “هيئة تحرير الشام”(جبهة النصرة سابقا)، بالإضافة إلى أحكام القتل التي ارتُكبت بحق بعضهن خارج نطاق القضاء.

شاهد/ي: سياسات السلطة تقوض دور الحوالات في إغاثة السوريين

في مناطق سيطرة الفصائل المدعومة تركياً، تتكشف يوماً بعد يوم الكثير من الوقائع التي تؤكد ارتكاب جرائم حرب وعمليات خطف واغتصاب النساء. كل ذلك ضمن سجون سرية تقع في مدينة عفرين، خاضعة بشكل مباشرة لإشراف وسيطرة جهاز المخابرات التركية والجيش التركي، فـ في شهادة جديدة وثّقتها 3 من أصل 11 من النساء المختطفات في سجن سرّي في حي المحمودية وسط مدينة عفرين، وهو السجن الذي لم يكن أحد قد سمع به كونه كان في الظاهر مقرّاً عسكرياً لقائد ميليشيات “فرقة الحمزة” الإرهابية المعروف باسم سيف أبو بكر، لكن وبعد اقتحامه من قبل متظاهرين غاضبين، تم العثور فيه على 11 امرأة وطفلين صغيرين أعمارهم 6 أشهر وعام ونصف، إضافة لمعتقلين آخرين، والنساء ضمن السجن عُثر على بعضهن “عاريات” بحسب الشهادات.

في ذات السياق فقد روت معتقلة في سجون الفصائل الموالية لتركيا، والتابعة لِما يُسمى “الحكومة السورية المؤقتة” في مدينة عفرين السورية، ما تعرضن له من فظائع شملت أنواعا شتى من التعذيب والاغتصاب وتصويرهن عراة بحضور ضباط من جهاز الاستخبارات التركي، وفي لقاءات أُخرى مع مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا، جرى توثيقها بملفات صوتية، فقد تحدثت إحدى الناجيات والبالغة من العمر 24 عاماً، عن حالات التعذيب والاغتصاب في سجون “فرقة الحمزة”، و المخابرات التركية.

تقارير كثيرة أكدت احتجاز ما لا يقل عن 86 امرأة وفتاة ضمن سجون “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) في إدلب، وذلك منذ بداية العام 2024، من ضمنهن 23 امرأة تم الإفراج عنهن في فترات زمنية مختلفة، في حين أن 63 منهن ما زلن محتجزات في سجون الهئية حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.
حقيقة الأمر إن ما تتعرض له النساء سواء في مناطق سيطرة السلطة أو في مناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا أو هيئة تحرير الشام، لا يمكن وصفه أو تلخيصه في سياق تقرير، لكن جُملة التقارير التي ترصد حالات اعتقال النساء تؤكد بأن ما يتعرض له النساء في تلك المناطق هو جريمة إنسانية يتوجب معاقبة مرتكبيها، لكن رغم ذلك فإنه من الصعب حصر حالات اعتقال النساء، ويعود ذلك إلى حدوث الكثير من حالات الاعتقال دون ادراجها في السجلات، فضلاً عن دفع المجتمع هؤلاء النساء إلى الصمت وعدم الحديث عما تعرضن له من ويلات في غياهب السجون.

عمار المعتوق- دمشق

المشاركة