شَهِدَ ريف حمص الجنوبي في الآونة الأخيرة تزايدًا ملحوظاً في حوادث اختطاف السوريين، مما أثار العديد من التساؤلات حول الظروف القاسية التي يحاول المواطنون الفرار منها بحثًا عن الأمان. وقد برز هذا الأمر جليّاً عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبَّر الكثير من الأهالي في حمص وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة عن مطالبهم للحكومة بالكشف عن مصير أبنائهم المفقودين في القرى الحدودية المتاخمة للبنان.
وفقاً للمصادر، هناك تعاون وتنسيق بين المهربين وعناصر أمنية تابعة للفرقة الرابعة. حيث يتوجه يومياً مئات السوريين إلى القرى الحدودية مع لبنان، إذ أصبح الهاجس الأساسي للشباب السوري في مناطق سيطرة السلطة هو مغادرة البلاد، حتى لو كان ذلك عبر طرق محفوفة بالمخاطر. ويأتي هذا التوجّه هرباً من الخدمتين الإلزامية والاحتياطية، ولكن القاسم المشترك الأكبر بين غالبية الشباب هو محاولة الفرار من الوضع الاقتصادي المتردي في سوريا، والسعي وراء الاستقرار في لبنان أو العبور إلى دول أخرى، خاصة دول الاتحاد الأوروبي، حتى لو تطلّب ذلك ركوب ما يُعرَف بـ “قوارب الموت” للوصول إلى قبرص أو صقلية.
اقرأ/ي أيضاً: غضب شعبي يواجه قمعاً أمنياً في بلدات ريف دمشق
في إطار البحث المعمَّق في هذه القضية، تمكنَّا من التواصل مع أحد المهربين، الذي فضَّل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية. وفقاً لهذا المصدر، فإن جميع شبكات التهريب العاملة بين سوريا ولبنان تعمل تحت إشراف عناصر من الفرقة الرابعة. هؤلاء العناصر يسهِّلون عبور المهربين عبر الحواجز العسكرية من حمص وصولاً إلى القرى الحدودية مع لبنان، وذلك مقابل نصف المبلغ الذي يتقاضاه المهربون من الأشخاص الراغبين في الوصول إلى لبنان. وتتراوح هذه المبالغ بين 200 و400 دولار أمريكي، اعتمادًا على العناصر المناوبين على الحواجز يوم عملية التهريب.
وأضاف المصدر أن هناك مسارين رئيسيين للتهريب. المسار الأول يتم عبر الالتفاف حول بوابة المصنع الحدودية، حيث ينتظر عناصر تابعون لحزب الله. تكلفة هذا المسار 250 دولاراً للشخص الواحد، ويُستخدَم غالبًا لمن يرغبون في الدخول إلى لبنان للسفر عبر مطار الحريري. أما المسار الثاني فهو الأكثر تكلفة، حيث يتم استقبال الراغبين في الذهاب إلى لبنان – سواء كانوا أفراداً أو عائلات أو فارين من الخدمة العسكرية والاحتياطية أو حتى مطلوبين أمنياً للسلطة – عند جسر تلبيسة في ريف حمص الشمالي. تبلغ تكلفة هذا المسار 400 دولار للأشخاص العاديين والعائلات، بينما ترتفع إلى 800 دولار للفارين والمطلوبين.
وفيما يتعلق بحالات الخطف، يؤكد المصدر أن بعض المهربين يتعاونون مع عناصر من الفرقة الرابعة والأمن العسكري في عمليات خطف بهدف طلب فدية مالية كبيرة. وقد وقعت العديد من الحوادث في هذا الإطار. في بعض الحالات، تدخَّل المهربون أنفسهم للإفراج عن المخطوفين، حيث كانوا يتواصلون مع ضابط في الفرقة الرابعة، الذي بدوره يقوم بالتنسيق مع مجموعته لإطلاق سراح المخطوف مقابل مبالغ قد تصل إلى 9000 دولار.
وفي سياق متصل، روى أحد سكان حي الشماع في مدينة حمص قصة اختطاف ابنه من قِبَل أحد المهربين. فقد انقطع الاتصال مع الابن بعد أن أخبر عائلته بوصوله إلى وادي خالد في لبنان. وبعد محاولات عديدة للتواصل مع مهربين مختلفين، علمت العائلة أن القضية في يد شخص يُدعى فراس ديب، وهو متطوع في مكتب أمن الفرقة الرابعة. تواصلت العائلة مع فراس ديب الذي طلب في البداية 7500 دولار للإفراج عن المختطَف. وبعد مفاوضات مطولة، وافق على تخفيض المبلغ إلى 6000 دولار. وبالفعل، تم إطلاق سراح الشاب المختطَف وإعادته إلى نقطة انطلاقه الأصلية تحت جسر تلبيسة في ريف حمص الغربي.
اقرأ/ي أيضاً: صرخات في الظلام.. مأساة نساء عفرين تحت وطأة الاحتلال التركي
في الواقع، تشير المعلومات المتوفرة إلى أن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، بالإضافة إلى الفرقة الرابعة، يشرفون بشكل مباشر على عمليات تهريب البشر. ويتم ذلك بالتنسيق مع شبكات تابعة لحزب الله اللبناني، التي تقوم بدورها بتسهيل نقل السوريين داخل الأراضي اللبنانية للوصول إلى وجهاتهم المقصودة.
ومن الجدير بالذكر أن المسار الرئيسي للتهريب من سوريا إلى لبنان يبدأ من جسر تلبيسة في حمص. تنطلق السيارات من هذه النقطة، مرورًا بطرقات ريف حمص الغربي، ثم إلى تلكلخ وقرية رَبْلَة، وصولاً إلى منطقة وادي خالد. هذه الأخيرة معروفة منذ فترة طويلة كنقطة عبور غير شرعية بين البلدين. تستغرق الرحلة الكاملة من تلبيسة إلى منطقة بعلبك داخل الأراضي اللبنانية حوالي 10 ساعات، بما في ذلك فترات الاستراحة على الطريق.
تكشف هذه المعلومات عن وجود شبكة معقّدة ومنظَّمة للتهريب، تتضمن تعاوناً بين عناصر من داخل سوريا وخارجها. كما تسلِّط الضوء على الطرق الوعرة والمخاطر الجسيمة التي يواجهها الأشخاص الساعون للهروب من الأوضاع الصعبة في سوريا. هذه الظاهرة تعكس عمق الأزمة الإنسانية والأمنية في المنطقة، وتستدعي اهتمامًا دوليًا عاجلًا لمعالجة جذور المشكلة وحماية الأرواح البريئة العالقة في دوامة اليأس والاستغلال.
سحر الحمصي- حمص