يُثبت أهالي السويداء في حراكهم، بأنهم باتوا كـ رمزٍ يتردد صداه لدى السوريين أينما كانوا، سواء في الخارج أو داخل البلاد التي لا تزال مُقسّمة بين سيطرة السلطة والفصائل الإيرانية والروسية والتركية. وعلى الرغم من اندلاع الحرب في غزة، إلا أن المظاهرات السلمية في السويداء، لم تَغِبْ عن دائرة الضوء الدولية. فـ الحراك الذي تميّز باستدامته وتعبيره المفتوح والمستمر عن أفكار غالبية السوريين، شكَّلَ الوسيلة التي يتواصل من خلالها المتظاهرون مع غالبية المحافظات السورية. فـ عندما بدأت الحركة الاحتجاجية في السويداء في منتصف آب/أغسطس 2023، سرعان ما رحَّبَ غالبية السوريين بالحراك ضد السلطة وسياساتها. وإبَّانَ ذلك فقد تساءل الكثيرون حيال الحراك في السويداء وهل سيكون نقطة تحوُّل في الملف السوري؟ وهل سينجح هذا الحراك في التأسيس لمراحل سياسية جديدة في سوريا وإجبار السلطة على البدء بعملية سياسية ديمقراطية؟
في الواقع ورغم مرور ما يقارب السنة على حراك السويداء، إلا أن مطالب المتظاهرين وأهدافهم الجريئة لم تُحقَّق بعد. إلا أنه في المقابل فإن الحراك لم يتم إجهاضه، وأصوات وهتافات المتظاهرين لم يتم إسكاتها، ولم تنجح السلطة في إجبار أهالي السويداء على الخضوع. وهذا بحد ذاته يجب أن يُنظر إليه على أنه انتصار، خاصة أن الحراك في السويداء هو الأطول والأكثر تنظيمًا وانتشارًا وتشاركية منذ اندلاع الأزمة السورية، وهو حراك مدني مختلط بين الجنسين تتخلله مشاركة واسعة ومؤثرة من شرائح مجتمع السويداء كافة.
مُخرَجات الحراك في السويداء
في تقارير سابقة، أكدنا بأن الحراك في السويداء بصدد التأسيس لـ لجنة سياسية مهمتها تنظيم الحراك في المضمون والأهداف، والتأسيس لأرضية صُلبة تعمل على ضمان استمرار الحراك بطرق أكثر تنظيماً. والأهم بأن اللجنة السياسية والتي انبثقت من مضمون الحراك، ستكون صوتاً يتردد صداه إقليمياً ودولياً.
اقرأ/ي أيضاً: أزمة غذائية خانقة تعصف بسكان الساحل السوري
ما سبق أكده المحامي أيمن شيب الدين من السويداء، حيث قال أن تجربة مُهمّة للحراك حدثت، وهي انتخاب ديمقراطيّ لِلَجنة سياسيّة تُمثّله. كما أن هذه اللجنة هي من ضمن خمس لجان ستتشكّل لاحقاً، لإدارة أمور الحراك بإشراف الهيئة العامة المُعلن عنها سابقاً، وهي بطبيعة الحال غاياتها تمثيل الحراك بخطّه وطريقه الوطنيّ الديمقراطيّ العلمانيّ، بسلميّته ومدنيّته.
اللجنة السياسية والحراك واستمراريته أولوية
ويضيف المحامي أيمن، بأن تقنين مهام وصلاحيات كل من الهيئة العامة واللّجان هو المطلوب حالياً، كما أن توحيد الانتماء للحراك يُعَدُّ أولويّة، ووضع مصلحة الأحزاب وأشباهها من التيارات والكتل والهيئات جانباً. والأهم أن هذه اللجنة تعمل على تحصين قوّة وهيبة الحراك، وترميم ما لحقه من وهن، وهذا أيضاً بحسب أيمن هو أولويّة.
وينوّه شيب الدين خلال حديثنا، قائلاً: “اختلفنا أم اتفقنا على آليّة الإنشاء، فهو جهد جبار وشاقّ، عمل عليه فريق العمل، ومن بعده الهيئة العامة، يُشكرون عليه، ولا أظنّهم ينتظرونه”. وأكد أن أمام الهيئة العامة الكثير من العمل لتدارك خلل المرحلة السابقة، وعلينا دعمهم جميعنا. ونقدهم جميعنا، لمصلحتنا جميعنا.
وختم بقوله: “عُموم الأسماء الناجحة باللّجنة السياسيّة هم أشخاص ثُقاة، تُنبئ بوعي الهيئة العامة وحُسن اختيارها لهم. وهذا أمر مهم جداً، فبُوصلة الحراك العامة تُؤشّر بالاتجاه الصحيح، اتجاه مُلاقاة السّوريين في الخلاص الوطني من نظام الاستبداد، نحو بناء دولة تُعلي من مبدأ سيادة القانون وبما يحمله من صون الحقوق والحريّات والرّفاه للسوريين”.
الحراك والنقلة النوعية في المشهد السياسي السوري
حقيقة الأمر أن الحراك في السويداء شكَّلَ نقطة تحوّل في الملف السوري. وبصرف النظر عن عدم تحقيق شيء ملموس على صعيد التغيير السياسي، إلا أن الحراك والتعبير عن المطالب وتأكيد اللاعنف منذ بدء الاحتجاجات السلمية، كان بمثابة نداء سياسي عمل على توجيه دعوات متكررة للمجتمع الدولي لتفعيل القرار الأممي 2254، والذي ينصّ صراحة على انتقال سياسي تحت إشراف دولي وإزاحة السلطة.
حيال ذلك أكد وليد أبو حمدان (56 عامًا) وهو أحد منظمي الحراك في السويداء، بأن الحراك ومنذ البداية رفع شعارات واضحة تُعبِّر عن كل السوريين. ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لهذا الحراك، فإن الحراك مستمرٌّ وهذا الحراك شكَّلَ نقلة نوعية في التعبير عن رفض استمرار السلطة. ويبدو أن حدة هذه المطالب أخذت السلطة على حين غرة، وقد تفاجأت السلطة ولم تكن تتوقع استمرار الحراك. ورغم أنها حاولت إجهاض الحراك عبر استخدام أدواتها وأبواقها، من أجل الضغط على المجتمع المحلي أو الانتقام من المتظاهرين والمطالبين برحيل السلطة، لكنها فشلت وها هو الحراك يقترب من سنته الأولى.
اقرأ/ي أيضاً: غضب شعبي في «جرمانا» يكشف عجز السلطة عن حل الأزمات
ونوَّهَ وليد أبو حمدان إلى أن اللجنة السياسية والتي انبثقت من الحراك لديها أهداف واضحة، ترتكز على تحقيق آمال المتظاهرين. ومن المهم التنويه إلى البيان الذي أصدرته اللجنة السياسية مؤخراً، لبناء صورة مستقبلية للحراك، حيث أكدت اللجنة السياسية المنتخبة من الهيئة العامة للحراك، أنها مُصممة على تحقيق غايات الحراك ومطالبه، وفق المبادئ والثوابت السورية العامة المتمثلة بوحدة التراب والهوية الوطنية، والانفتاح على كل السوريين لتحقيق التغيير والانتقال السياسي المنشود وفق القرارات الدولية التي تحقق الحل السياسي السوري وبمقدمتها القرار الأممي 2254.
التحركات السلمية رافعة لنهضة سوريا والسوريين
من الواضح أن الحراك في السويداء وبحسب اللجنة السياسية، مستمرٌّ وبصدد اتخاذ خطوات سياسية جديدة تتعلق بالواقع السياسي في سوريا، والذي يبدو أنه في حالة من الجمود جرّاء مصالح روسيا وإيران وتركيا. ولا بدّ من تحريك المياه السورية الراكدة بفعل تعنُّت السلطة ورفضها أي حراكات سياسية غايتها الأولى والأخيرة إنقاذ السوريين. ومن الجنوب إلى الشمال فإن التحركات السياسية، هي الأمل الوحيد للسوريين لإنهاء السلطة ورحيلها. وهذه التحركات تشكل رافعة سياسية لنهضة سوريا والسوريين، والوصول إلى أهداف غالبية السوريين والتي تعكسها شعارات رحيل السلطة والانتقال إلى سوريا تعددية ديمقراطية.
إن حراك السويداء قد أحدث تأثيراً ملموساً في المشهد السياسي السوري، رغم التحديات الكبيرة التي واجهها. فقد نجح في الحفاظ على زخمه واستمراريته لما يقارب العام، مُشكِّلاً نموذجاً فريداً للحراك المدني السّلمي في سوريا. إن تشكيل اللجنة السياسية وتحديد الأهداف المستقبلية يُعَدُّ خطوة هامة نحو تنظيم الحراك وتوجيهه بشكل أكثر فعالية. ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى، يبقى الأمل معقوداً على قدرة هذا الحراك في إحداث التغيير المنشود والمساهمة في رسم مستقبل سوريا الديمقراطي. إن استمرار هذا الحراك وتطوره يُمثِّل شعاع أمل للسوريين في الداخل والخارج، ويُؤكِّد على أن صوت الشعب السوري لا يزال قوياً ومسموعاً، رغم كل الصعاب والتحديات.
عمر الصحناوي- السويداء