عقدت تركيا وروسيا اجتماعاً في الـ 17 من تموز/يوليو الفائت، في مدينة سراقب، جرى خلاله مناقشة فتح الطرق والمعابر بين مناطق سيطرة السلطة في دمشق والمناطق الخاضعة لسيطرة تركيا.
وجاء الاجتماع في سياق العلاقات المعقدة بين البلدين حول الملف السوري، وخاصةً فيما يتعلق بالمناطق الخاضعة لسيطرة كلٍّ من تركيا وروسيا والسلطة في دمشق.
تنسيق روسي تركي وتقاسم نفوذ
وفي السياق، يقول الناشط السياسي، محمد خربوطلي، المنحدر من إدلب، إن الاجتماع يبرز أهمية التنسيق المستمر بين تركيا وروسيا في الملف السوري. فكلا البلدان يسعيان للحفاظ على مصالحهما الاستراتيجية في سوريا، والتنسيق بشأن فتح المعابر يعكس رغبة في إدارة التوترات والتفاهم على تقاسم النفوذ.
وتسعى تركيا إلى تأمين طرق تجارية آمنة بين المناطق التي تحتلها في شمال سوريا وبين مناطق السلطة في دمشق، وذلك يهدف بحسب خربوطلي، إلى تحسين الوضع الاقتصادي في المناطق التي تحتلها وتسهيل حركة البضائع، ما قد يساعد على استقرار تلك المناطق وتهدئة الاحتقان المحلي ضدها.
أما روسيا فأنها تهدف إلى تعزيز سيطرة السلطة في دمشق على الطرق الرئيسية، ما يعزز من قدرة دمشق على استعادة بعض النفوذ الاقتصادي والعسكري. ويقول خربوطلي إن فتح هذه الطرق قد يسهم في تحسين الوضع الاقتصادي في مناطق سيطرة دمشق، وهو أمر تسعى روسيا لتحقيقه لاستقرار الوضع الداخلي في تلك المناطق.
وفي ذات السياق، ترى الرئيسة المشتركة لمجلس إدلب الخضراء، سهام عبد اللطيف، إن هكذا اجتماعات وخطط هدفها إنقاذ النظامين في أنقرة ودمشق، والتهرب من تطبيق القرار الأممي 2254 حول حل الأزمة السورية سياسياً، لأن كلاً من دمشق وأنقرة تريدان الحفاظ على مصالحهما على حساب السوريين.
تركيا وروسيا تسعيان للحفاظ على مصالحهما الاستراتيجية
ويرى البعض، أن هذا الاجتماع جاء في إطار تطبيق بنود اتفاقية آذار/ مارس 2020 الموقّعة بين بوتين وأردوغان عقب التصعيد بين أنقرة ودمشق، بهدف تخفيف التوتر ووقف إطلاق النار خصوصاً مع تبادل القصف بين الطرفين، وفشل تطبيق بنود الاتفاق المتعلقة بفتح الطرق منذ ذلك الوقت.
اقرأ/ي أيضاً: حراك السويداء على أعتاب العام الثاني.. مسار التنظيم السياسي وتحديات التغيير
وشملت اتفاقية 2020، إنشاء منطقة منزوعة السلاح على طول خطوط التماس بين السلطة في دمشق والفصائل المدعومة من أنقرة، إلى جانب فتح الطرق الاستراتيجية مثل M4 وM5 وخصوصاً الطريق الواصل بين حلب واللاذقية.
وفي السياق، يرى خربوطلي، أن فتح الطرق والمعابر يعتبر جزءاً من الجهود المستمرة بين أنقرة وموسكو لتطبيق بنود الاتفاقية، وخاصة فيما يتعلق بفتح الطرق الاستراتيجية التي تربط بين مناطق دمشق والفصائل المدعومة من أنقرة.
وكذلك موازنة النفوذ بين موسكو وأنقرة، فكلا البلدين يسعيان لتطبيق الاتفاقية بما يحقق مصالحه. إذ ترغب تركيا في تأمين خطوط إمدادها وتجارتها مع شمال سوريا، في حين أن روسيا تركز على تعزيز سيطرة دمشق واستعادة حيويتها الاقتصادية.
بالتالي، يمكن القول إن الخطوة جزء من جهود تركيا وروسيا للحفاظ على الوضع القائم في سوريا من خلال تطبيق بنود الاتفاقية السابقة بما يخدم مصالحهما الاستراتيجية في المنطقة.
أهداف تركية متعددة…
وتسعى تركيا من وراء فتح المعابر والطرق، إلى تحسين التجارة عبر الحدود، فإعادة فتح الطرق والمعابر بين المناطق الخاضعة لتركيا ومناطق سيطرة السلطة في دمشق يمكن أن تسهم بحسب محمد خربوطلي، في تسهيل حركة البضائع والتجارة بين الجانبين.
وبالتالي ستستفيد تركيا من تحسين صادراتها إلى سوريا من خلال هذه الطرق، مما يمكن أن يعزز من تدفق العملات الأجنبية إلى البلاد، خاصةً في ظل الضغوط الاقتصادية التي تواجهها تركيا.
فيما تؤكد سهام عبد اللطيف، أن تركيا تريد من خلال هذه المعابر فتح طريق غازي عنتاب – حلب – دمشق، لتأمين تدفق بضائعها إلى الأردن ودول الخليج العربي.
أما الأمر الآخر الذي تسعى إليه تركيا، هو دعم الاستقرار في المناطق السورية التي تحتلتها. إذ أن فتح المعابر قد يساهم في تحسين الوضع الاقتصادي في تلك المناطق نوعاً ما، وهذا من شأنه تخفيف العبء الاقتصادي على تركيا وفق خربوطلي.
أما الهدف التركي الثالث من هكذا خطوة، فهو تعزيز العلاقات الاقتصادية مع روسيا، لأن من شأن هذه الخطوة تعزيز العلاقات الروسية التركية، ويقول خربوطلي، إن هذا الأمر ذو أهمية لتركيا في ظل التوترات الاقتصادية العالمية. فقد تفتح هذه الخطوة مجالات جديدة للتعاون التجاري بين تركيا وروسيا، ما يمكن أن ينعكس إيجابياً على الاقتصاد التركي.
فوائد دمشق من فتح المعابر والطرق!
إن السلطة في دمشق التي تعاني تدهوراً اقتصادياً مستمراً، ترى أن فتح المعابر والطرق مع تركيا، قد يسهم في تعزيز سيطرتها الاقتصادية على مناطق أوسع من البلاد، والقدرة على تأمين وصول البضائع والمواد الأساسية عبر هذه المعابر إلى مناطقها ما قد يحسن من الأوضاع الاقتصادية فيها ويقلل من تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة.
وفي السياق، يقول محمد خربوطلي، إن السلطة في دمشق تعاني من ضغوط اقتصادية كبيرة، وتحتاج إلى مصادر جديدة للدخل والتجارة. وفتح المعابر قد يؤدي إلى تدفق البضائع التركية إلى أسواقها، مما يساعد على تخفيف النقص في بعض السلع، ويسهم في استقرار الأسعار.
ويشير خربوطلي، أن هذا خطوة قد تساهم في تحسين العلاقات بين دمشق وأنقرة، ويضيف: “على الرغم من الخلافات السياسية، فإن التعاون في هذا المجال قد يفتح المجال لتحسين العلاقات الاقتصادية بين النظام السوري وتركيا، وهو أمر قد يعود بالنفع على دمشق في سعيها لتحسين وضعها الاقتصادي والتخفيف من العزلة الدولية”.
خطوة على طريق التطبيع
والملفت للانتباه إلى أن المحاولات الروسية هذه جاءت بعد إطلاق الرئيس التركي التصريحات الواحدة تلو الأخرى حول التطبيع مع دمشق.
وبالتالي، تعتبر هكذا محاولة، خطوة روسية لفتح قنوات تواصل بين أنقرة ودمشق. وفي السياق يرى خربوطلي أن فتح الطرق والمعابر يمكن أن يكون بمثابة خطوة عملية نحو تعزيز قنوات التواصل بين أنقرة ودمشق. هذا النوع من التعاون الاقتصادي قد يؤدي إلى تهيئة الأجواء لمزيد من الحوار السياسي، وربما يكون مقدمة لتطبيع العلاقات بين البلدين.
كما تساهم هذه الخطوة في تقليل التوترات بين دمشق وأنقرة وفق خربوطلي، فإذا كان هناك تعاون اقتصادي ملموس ومفيد لكلا الطرفين، فقد يسهم ذلك في تخفيف العداء السياسي، وفتح الباب أمام مفاوضات أكثر شمولاً بشأن القضايا الخلافية.
وأيضاً تساهم في تعزيز الثقة المتبادلة، فإذا تم تنفيذ هذه الخطوة بنجاح، فقد يكون ذلك أساساً للتقدم نحو تطبيع العلاقات على مستويات أخرى. مع ذلك، يقول خربوطلي، إن “التطبيع الكامل يبقى مرهوناً بحل قضايا سياسية وأمنية معقدة تتطلب حلاً شاملاً”.
تحجيم النفوذ الإيراني
جاءت هذه المحاولة الروسية بعد تزايد ضغوط طهران على دمشق لوضع الاستثمارات الاستراتيجية التي حصلت عليها بموجب اتفاقيات أُبرمت بين البلدين موضع التنفيذ، لسداد ديون دمشق البالغة 50 مليار دولار. ونجحت طهران في تسريع إجراءات تحويل تلك الاتفاقيات التي كانت دمشق تتردد بتنفيذها إلى واقع ملموس، مستغلة أنها باتت تشكل شريان الحياة بالنسبة للسلطة في دمشق في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تعانيه.
ولذلك يرى المتابعون، أن الخطوة الروسية التركية هي محاولة لتحجيم النفوذ الإيراني وتقليل اعتماد دمشق على طهران من الناحية الاقتصادية.
لذا يقول محمد خربوطلي إن هذه الخطوة “قد تكون جزءاً من استراتيجية روسيا لتقليل اعتماد النظام السوري على إيران، وخاصةً في المجالات الاقتصادية. من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي بين تركيا ودمشق برعاية روسية، يمكن أن تسهم موسكو في توفير بدائل اقتصادية للنظام السوري بعيداً عن النفوذ الإيراني”.
ويضيف: “إن روسيا قد تسعى إلى تحقيق توازن أكبر في نفوذها في سوريا، حيث ترغب في أن تكون القوة المهيمنة والأكثر تأثيراً في توجيه مسار الأوضاع. في هذا السياق، تقليل النفوذ الإيراني قد يخدم المصالح الروسية، خاصةً إذا كان ذلك يساعد في تحقيق استقرار أكبر في سوريا بما يتماشى مع الرؤية الروسية”.
ومن المعروف أن هناك تنافساً ضمنياً بين موسكو وطهران على النفوذ في سوريا، وخطوات كهذه قد تكون محاولة روسية لتحييد التوترات بين الفاعلين المختلفين داخل سوريا. فإذا استطاعت روسيا إقناع دمشق بأن التعاون الاقتصادي مع تركيا يمكن أن يوفر لها دعماً اقتصادياً بديلاً، فقد يؤدي ذلك إلى تقليل الاعتماد على الدعم الإيراني.
اقرأ/ي أيضاً: أزمة غذائية خانقة تعصف بسكان الساحل السوري
ولذلك يرى خربوطلي، أن روسيا قد ترى في تعزيز التعاون بين دمشق وتركيا وسيلة لضمان مصالحها الاستراتيجية في سوريا على المدى الطويل، بحيث تظل صاحبة النفوذ الأكبر في إعادة إعمار سوريا وفي تحديد المسار السياسي المستقبلي للبلاد.
هل ستنجح المحاولات الروسية التركية؟
في شهر حزيران/يونيو الفائت، بدأت تركيا بالتحضير لافتتاح معبر “أبو الزندين” في ريف مدينة الباب بمحافظة حلب، والواصل بين مناطق سيطرة الفصائل الموالية لأنقرة والسلطة في دمشق، بعد أن تم إغلاقه عام 2020.
ولاقت هذه الخطوة استنكاراً واستهجاناً من قبل الأهالي في مناطق شمال غرب سوريا المحتلة تركياً، ولكن الفصائل قمعت الاحتجاجات لتنفيذ المخططات التركية.
وفي السياق، ترى سهام عبد اللطيف، أن نجاح مخطط افتتاح المعابر والطرق بين مناطق السلطة في دمشق والمناطق المحتلة تركياً من شمال غرب سوريا، مرهون أساساً بمدى قبول الفصائل الجهادية مثل “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً” وبقية الفصائل التي تدور في فلكها خصوصاً في إعزاز وإدلب والتي تسيطر على جانبي هذه الطرقات، وكذلك مدى قبول الأهالي بهكذا اتفاق بين أنقرة ودمشق.
وتعيش المناطق المحتلة تركياً حالة من الفوضى والفلتان الأمني وبالتالي من الصعب جداً ضمان عملية التجارة دون تعرّض التجارة للسلب والنهب في منطقة تسيطر عليها عشرات المجموعات المسلحة غير المنضبطة الساعية لكسب المال بشتى الطرق.
حلٌّ مجتزأ يعقد الأزمة ويعطل الحل السياسي
إن المخططات التي تسعى روسيا وتركيا لتطبيقها على الأرض السورية، لا تزال تواجه الكثير من العوائق على أرض الواقع، ولها الكثير من التبعات على السوريين.
وتقول الرئيسة المشتركة لمجلس إدلب الخضراء، سهام عبد اللطيف، إن الأزمة السورية هي أزمة عميقة نظراً لتدخل العديد من القوى الإقليمية والدولية فيها، ولا يمكن حلّها برغبة بعض الأطراف فقط، خصوصاً مع تصاعد الصراع في الشرق الأوسط ووصوله إلى حدّ الانفجار.
ولذلك فهي ترى أن كل هذه الخطوات لن تنجح في الوصول إلى النتائج التي ترجوها أنقرة وروسيا ودمشق لأنها تندرج في إطار حلٍّ مجتزأ لا يفضي إلى شيء لصالح السوريين بقدر ما يعقّد وضع الأزمة السورية ويعطّل الحل السياسي.