في خضم الجمود السياسي الذي يلف الملف السوري على الصعيدين الإقليمي والدولي، تبرز حركة احتجاجية في محافظة السويداء كنقطة مضيئة في المشهد القاتم. هذا الحراك الشعبي، الذي أكمل عامه الأول، يمثل تحريكاً ناعماً لحالة الركود السياسي في سوريا، متحدياً الظروف الاقتصادية المتردية وسياسات السلطة القمعية.
يأتي استمرار هذا الحراك في ظل واقع سوري مرير، حيث تعصف الأزمات الاقتصادية والمعيشية بالمواطنين في مناطق سيطرة السلطة. ورغم محاولات النظام المستميتة لإجهاض هذه الحركة الاحتجاجية عبر حملات التشويه الإعلامية والضغوط الأمنية، إلا أن أهالي السويداء تمسكوا بنهجهم السلمي، رافضين الانجرار إلى دوامة العنف التي تسعى السلطة لإشعالها.
الهجمات الإعلامية والأمنية
لقد شهدت السويداء هجمات إعلامية وأمنية مكثفة استهدفت الحراك وقادته، في محاولة لتشويه صورة الناشطين وزرع الفتنة بين صفوف المحتجين. غير أن هذه المحاولات باءت بالفشل أمام وعي وحكمة أهالي المحافظة، الذين تصدوا لمخططات السلطة الرامية لإحداث شرخ في النسيج الاجتماعي. بل إن هذه الممارسات القمعية أدت إلى نتيجة عكسية، حيث زادت من إصرار المحتجين على مواصلة تظاهراتهم وتوسيع نطاقها، مع رفع شعارات جديدة تطالب بإنهاء الاستبداد وهيمنة الحزب الواحد.
محاولات السلطة في ضرب السويداء عبر الإرهاب
وفي سياق متصل، يبرز ملف المخدرات كتحدٍ جديد يواجه أهالي السويداء. فقد وجد سكان المحافظة أنفسهم في مواجهة شرسة مع شبكات تهريب وترويج المخدرات المدعومة من قبل السلطة. هذه المعركة تضاف إلى سجل طويل من التصدي للعمليات الإرهابية التي استهدفت المحافظة منذ بداية الأزمة السورية، والتي غالبًا ما واجهها الأهالي بأنفسهم دون تدخل يذكر من قوات السلطة.
اقرأ/ي أيضاً: نخب من الساحل السوري تقيّم طروحات مسد وآفاق الحل السياسي
يقول عصام أبو حمدان، أحد الناشطين السياسيين في السويداء: “إن السلطة، بعد فشلها في تشويه صورة الحراك وإجهاضه، لجأت إلى تكثيف قبضتها الأمنية وبث الإشاعات. لقد شهدنا مؤخرًا عمليات اغتيال استهدفت الثوار في المحافظة، بهدف ضرب النسيج الاجتماعي وبث الرعب بين المتظاهرين”. ويضيف: “رغم كل المعوقات، تصر السويداء على مواصلة حراكها السلمي، في انتظار انتفاضة شاملة للسوريين ضد سلطة لا هم لها سوى إذلال الشعب وإلهائه بلقمة العيش”.
سنوية الحراك الأولى والثبات على المطالب
مع دخول الحراك عامه الثاني، يؤكد منظمو الاحتجاجات على ثباتهم على المطالب الأساسية. يشرح وحيد الجرماني، أحد منظمي ساحات الحراك: “لقد بنينا تحركاتنا على أساس التمييز بين السلطة ونظامها القمعي من جهة، والدولة كمفهوم ومؤسسات من جهة أخرى. نحن نرفض بشكل قاطع أي مزاعم حول مطالب انفصالية، ونؤكد على تمسكنا بوحدة التراب والشعب والهوية الوطنية”.
ويتابع الجرماني قائلاً: “بعد مضي عام على حراك السويداء، وجدت السلطة نفسها أمام واقع لا يمكن تجاهله. ومن هنا يمكننا سلمياً الضغط على السلطة عبر تفعيل الحل السياسي بمرجعية قرار مجلس الأمن 2254، والدخول الفوري في المرحلة الانتقالية وتحقيق التغيير السياسي الذي يفضي للوصول لدولة الحق والقانون والمواطنة، دولة لكل السوريين، يحدد دستورها ونظام حكمها السياسي والإداري هيئة تأسيسية منتخبة من كل السوريين في المرحلة الانتقالية”.
ضرورة الحل الجذري للأزمة السورية
إن استمرار حراك السويداء بهذا الزخم والتنظيم يضع السلطة أمام واقع لا يمكن تجاهله. فالمطالب واضحة وثابتة: تفعيل الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، والدخول الفوري في مرحلة انتقالية تفضي إلى تغيير سياسي حقيقي. هذا التغيير من شأنه أن يؤسس لدولة الحق والقانون والمواطنة، دولة تحترم التعددية وتضمن حقوق جميع السوريين.
اقرأ/ي أيضاً: من تلبيسة إلى درعا.. إصرارٌ على تسوياتٍ فاشلة
في ضوء كل المعطيات والوقائع المؤطرة للملف السوري، يتضح جلياً أن الأزمة السورية وأزمات السوريين الاقتصادية والمعيشية باتت تحتاج إلى حل جذري يتجاوز المسكنات والحلول الجزئية. إن الدخول في مرحلة انتقالية حقيقية هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والسلام والأمان للسوريين. هذا الحل من شأنه أيضًا أن يكون له انعكاسات إيجابية على دول المنطقة والمحيط العربي، ويضع حداً لتحول سوريا إلى ساحة للنزاعات الدولية والإقليمية ومزرعة لتجارة وتهريب المخدرات وتمدد الميليشيات.
رسالة السلام والتغيير
تبقى رسالة السويداء واضحة: رسالة سلام وتغيير سلمي يحقق الأمان لكل السوريين دون تمييز. إنها دعوة لإنهاء المأساة السورية والتأسيس لسوريا ديمقراطية تعددية، تحترم حقوق جميع مواطنيها وتضمن لهم العيش الكريم. وفي ظل هذا الإصرار والثبات على المبادئ، يبقى الأمل معقوداً على أن يكون حراك السويداء شرارة التغيير المنشود في عموم سوريا.
إن هذا السلام المنشود سيبدأ بتحقيق الانتقال والتغيير السياسي على أرضية السلام والتظاهر السلمي، وإيقاف المقتلة السورية. فأهالي السويداء، شأنهم شأن كل الشعب السوري، باتوا يتوقون لإنهاء الأزمة السورية ورحيل السلطة، بما يحقق سوريا ديمقراطية تعددية تضمن الحقوق والحريات لجميع مكونات المجتمع السوري.
يبقى حراك السويداء شاهداً على إمكانية التغيير السلمي حتى في ظل أقسى الظروف. فرغم القمع والتضييق، استطاع أهالي المحافظة الحفاظ على سلمية حراكهم وتماسك صفوفهم، مقدمين نموذجاً يحتذى به في النضال من أجل الحرية والكرامة. وبينما تستمر المعركة من أجل سوريا حرة وديمقراطية، تبقى السويداء منارة للأمل، تذكر السوريين والعالم بأن صوت الحرية، مهما حاولوا إخماده، سيظل يصدح عاليًا في وجه الظلم والاستبداد.
عمر الصحناوي- السويداء