يتأرجح الواقع السوري بين احتمالات عدة ليس من ضمنها الاستمرار على الوضع الحالي، ذلك أن الوضع السوري الراهن يوصف بأنه متوازن بشكل غير مستقر، فالقوى والسلطات الفاعلة على الأرض السورية لها أهداف وأجندات ورؤى مختلفة لما سيؤول إليه حال البلاد، وربما ما يجري الآن هو العمل الحثيث من كل طرف على تمكين خياراته في المستقبل وفرض رؤاه على الأطراف الأخرى، وحول مستقبل سوريا كما يراه معارضو الساحل السوري ونشطاؤه السياسيون واحتمالاته في سوريا، قمنا بإجراء مقابلات معمقة مع طيف واسع منهم سعياً منا للوصول لتقديرات أولية حول آرائهم ومواقفهم السياسية إزاء مختلف الأطراف السياسية الفاعلة والخيارات المتاحة أمامهم لمستقبل سوريا، ولتشعب القضايا ارتأينا العمل على تقريرين منفصلين من حيث العناوين العريضة ومتصلين من حيث جوهر الموضوع، إذ سنناقش في هذا التقرير آفاق الحل السياسي والموقف من طروحات الإدارة الذاتية للحل السياسي، وموقف النخب من أجندات الحوار الوطني المطروح ضمن مجلس سوريا الديمقراطية بما في ذلك الوضع القائم في مناطق شمال وشرق سوريا وإمكانية تعميم التجربة على مجمل التراب السوري، والبدائل المطروحة في حال تغير السلطة في دمشق، خاصة مع استمرار تدهور الوضع المعيشي.
اقرأ/ي أيضاً: من تلبيسة إلى درعا.. إصرارٌ على تسوياتٍ فاشلة
آفاق الحل السياسي
ركز معظم المستبينين على أن الحل السياسي هو الطريق الوحيد لخلاص السوريين، وتباينت وجهات النظر حول طرق الحوار وشكلها والأطراف الفاعلة والتي تضع الحل السياسي كطريق وحيد للحل، حيث أكد لنا (س. ش. 61 عاما) وهو سجين رأي سابق، أن جميع الهيئات السياسية التمثيلية في الداخل السوري تؤمن بالحوار كطريق للحل، وأن هذه الهيئات توّاقة للعمل المشترك ولخلق أرضية مشتركة لبناء سوريا الجديدة إذ إن هذه الهيئات انبثقت كل حسب ظروفها من رحم الثورة والأحداث ويعكسون الرغبة الجمعية لعموم السوريين في العيش المشترك، حيث أكد على ضرورة التفريق بين الهيئات المفروضة من الخارج والهيئات التمثيلية التي لا تنتمي لها سلطة دمشق، فهي وبحسب تعبيره (قوى مفروضة من قوى خارجية لا تمثل السوريين) وشدد على أن القوى في السويداء ومناطق شمال وشرق سوريا ستشكل النواة الحقيقية لمسار الحوار الوطني بالإضافة للوطنيين في جميع أنحاء البلاد سواء كان لديهم القدرة على تنظيم صفوفهم الآن أم لم يستطيعوا، فيما شدد (م. أ. 55عاماً) وهو ناشط مدني ومعارض سياسي، على أن السلطة في دمشق يجب أن تكون طرفاً في معادلة الحوار لأنها وكما قال: (الأكثر فاعلية على الأرض بغض النظر عن الأسباب) كما شدد على ضرورة الحوار مع كل الأطراف السورية للوصول إلى توافقات تحت سقف الوطن السوري حسب تعبيره.
الموقف من الوضع القائم شرقي الفرات
شدد معظم المستبينين على أهمية ترسيخ قواعد الديمقراطية في سوريا، وعلى أهمية التجربة السورية في مناطق شرقي الفرات لما لها من دلالات على قدرة السوريين على العمل المؤسساتي والديمقراطي حسب ما وضّح لنا (ن.ن. 74 عاماً) – سجين سياسي وناشط في الشأن العام – وأضاف أن السوريين في مناطق شرق الفرات اشتغلوا على مؤسسات وهيئات سياسية أسست ل (قدرات سياسية وإمكانيات موضوعية فرضت نفسها على الفاعلين) كما شدد على أهمية الاستفادة من هذه التجربة والعمل على تعميمها على مجمل التراب السوري.
فيما أكد لنا (س. م. 56عاماً)- ناشط سياسي – على أن نظم الإدارة اللامركزية هي من أكثر النظم السياسية نضجاً في إدارة البلدان وأن الغرب يسعى بشكل حثيث (للوصول لأقصى درجات اللامركزية الإدارية) حسب تعبيره، لما لها من نتائج إيجابية في فاعلية وتفعيل السكان في العملية السياسية والإدارية بشكل أكبر، ولزيادة المشاركة وتطوير صنع القرار وتفعيل العمل الجماعي.
اقرأ/ي أيضاً: سوريا ساحة حربٍ بالوكالة.. كيف يستفيد “داعش” من كل ذلك؟
البدائل المطروحة في حال تغير السلطة
الدولة المدنية العلمانية الديمقراطية اللامركزية، هي الخيار الحضاري الحداثوي الأمثل للسوريين، وهي الحالة التي تضع البلاد على السكة الصحيحة وتحقق المواطنة وتحرر الإنسان، هذا ما أكد عليه نشطاء الساحل السوري، وعن قضية البدائل المتاحة للسلطة في دمشق قال المعارض السياسي(ن. ن. 72 عاماً) : (السلطة في دمشق تشكل أسوأ احتمال ممكن لشغل الفراغ، حيث إن الفراغ السياسي التام للبلاد يبدو أفضل طالما يفتح المجال لملئه بما هو أفضل) في إشارة واضحة لقناعته بأن السلطة في دمشق تعمل وتجتهد بشكل ممنهج لتدمير مقدرات البلاد وتهديم الإنسان على طول البلاد، كما تركزت معظم إجابات المستبينين على وسم السلطة في دمشق باللاوطنية والكيان المعادي لأحلام وطموحات الشعب السوري.
الخاتمة:
إن الطريق نحو الحل السياسي في سوريا لا يزال طويلاً ومعقداً، لكنه يبقى الأمل الوحيد لإنهاء معاناة الشعب السوري. فالحوار الوطني الشامل والتوافق على دولة مدنية ديمقراطية لامركزية هما المفتاح لمستقبل أفضل. ورغم التحديات، فإن إرادة السوريين في بناء وطن يسوده العدل والحرية هي القوة الدافعة نحو التغيير المنشود. ويبقى على جميع الأطراف تغليب المصلحة الوطنية والعمل بجد لتحقيق تطلعات الشعب السوري في الحياة الكريمة والسلام الدائم.
أليمار لاذقاني- اللاذقية