يُحتفل باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، ليكون مناسبة عالمية تهدف إلى زيادة الوعي بحجم وأشكال العنف الذي تتعرض له النساء والفتيات حول العالم.
هذه المناسبة التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1999 تأتي كتذكير للدول والحكومات والمنظمات، بضرورة اتخاذ خطوات ملموسة لحماية النساء من كافة أشكال العنف ودعم حقوقهن الأساسية، ولكن هذا ما لا نراه موجوداً عندما يتعلق الأمر بالمرأة السورية بشكل عام وبالمرأة في مناطق الشمال السوري الذي تحتله تركيا وفصاؤلها السورية بشكل خاص.
أهمية اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة
هذا اليوم يرمز إلى التضامن مع النساء اللواتي يعانين من العنف بكافة أشكاله؛ سواء كان جسدياً أو نفسياً أو جنسياً أو اقتصادياً. كما يُعد فرصة لتعزيز الجهود المحلية والدولية في إطلاق حملات توعية ودعم مشاريع تهدف إلى حماية المرأة وتمكينها. ويُعتبر اللون البرتقالي رمزاً لهذا اليوم، حيث تستخدم حملات التوعية شعار “لون العالم بالبرتقالي” لتمثيل مستقبل مشرق خالٍ من العنف.
اقرأ/ي أيضاً: السلطة تعتمد مبدأ التشاركية مع السوريين، ولكن!
ويتزامن هذا اليوم مع بدء حملة الـ 16 يوماً من النشاط ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي، التي تنتهي في 10 كانون الأول/ ديسمبر وهو اليوم العالمي لحقوق الإنسان. خلال هذه الفترة، تسعى المبادرات والحملات إلى زيادة الوعي وحشد الجهود لمكافحة العنف ضد المرأة وضمان مستقبل آمن لها.
العنف ضد المرأة في سوريا: أزمة إنسانية مستمرة
في سياق الأزمة السورية المستمرة منذ عام 2011، يعاني المجتمع بأسره، وخاصة النساء والفتيات، من انتهاكات حقوق الإنسان. الصراع المسلح بين السلطة في دمشق والمجموعات المسلحة الإسلاموية أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية للنساء، وظهرت العديد من أشكال العنف التي تعرضت لها النساء، مثل العنف الجسدي والجنسي، والاعتقالات التعسفية، والزواج المبكّر والقسري، فضلًا عن التمييز والاستغلال الاقتصادي.
وتعرضت النساء في سوريا للعنف الجنسي من قبل قوات السلطة في دمشق والمجموعات المتطرفة والإسلاموية وتلك المرتبطة بتركيا في الحرب، مما ترك آثاراً نفسية وجسدية عميقة على الناجيات.
كما تزايد العنف الأُسري مع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، حيث وجدت النساء أنفسهن في مواقف ضعف أكبر.
وأيضاً أصبح الزواج المبكّر والقسري أكثر انتشاراً كاستراتيجية للبحث عن الأمان في ظل الفقر والظروف الأمنية الصعبة.
وفي بيئات العمل، تعاني النساء من التمييز والاستغلال الاقتصادي، إذ غالباً ما يتم دفعهن للعمل في ظروف قاسية بأجور متدنية، مما يزيد من هشاشتهن.
ويساهم غياب الحماية القانونية في تعميق الأزمة، إذ تُحرم النساء من الحصول على الحماية والعدالة، مما يجعل من الصعب ملاحقة الجُناة ومحاسبتهم.
النساء في المناطق الخاضعة للاحتلال التركي ومرتزقته السورية
في مناطق الشمال السوري التي تسيطر عليها تركيا والفصائل الموالية لها، يُواجه السكان هناك، وخاصة النساء، أوضاعاً معقدة من العنف والانتهاكات. وتشير التقارير الحقوقية إلى أن النساء يتعرضن لمختلف أنواع العنف بسبب غياب الاستقرار ووجود فصائل مسلحة تتصرف بطرق همجية بعيداً عن القانون.
وتشمل الانتهاكات الموثقة الاحتجاز التعسفي والعنف الجنسي والاختطاف لأغراض الابتزاز. وتُفرض قيود مشددة على حريات النساء في التنقل والتعليم والعمل، مما يساهم في زيادة العنف الاقتصادي والنفسي ضدهن.
حالة سلوى (اسم مستعار لامرأة تبلغ من العمر 44 عاماً)، وهي من مدينة عفرين، تعرضت للاعتقال من قبل الفصائل المدعومة من تركيا، تسلّط الضوء على قسوة الأوضاع في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا وفصائلها.
وتقصّ سلوى وهي أم لأربعة أطفال روايتها المروعة التي شهدتها في سجون الاحتلال التركي في مدينة عفرين، تاركة قريتها وكل ممتلكاتها هرباً من الممارسات التركية التي طالتهم.
اقرأ/ي أيضاً: الحوار السوري السوري.. المسارات السياسية وتحديات الحل
وتقول سلوى وعيناها تفيض بالدموع “الفصائل التابعة لتركيا في العام الماضي وفي وضح النهار دخلوا إلى منزلي بشكل مفاجئ بدون أي إذن، وتم اقتيادي إلى مكان مجهول قيل لنا بأنه أحد فروع الشرطة العسكرية التابعة للدولة التركية، حيث تم احتجازي لفترة من الوقت دون تهمة محددة”.
وتشير إلى أنها أمضت عدة أيام في السجن، مؤكدة بأن حالتها الصحية تدهورت جرّاء التعذيب الوحشي والضرب المبرح الذي تعرضت له في المعتقل، إثر 20 يوماً من الاعتقال.
وبحسب سلوى، فإن الاحتلال التركي يعتقل النساء كوسيلة للضغط بهدف الحصول على المال، وتؤكد بأنه تم إطلاق سراحها بعد دفع فدية مالية كبيرة.
وتضيف، هناك المئات من النساء وخاصة الفتيات القاصرات لا زلن في سجون الاحتلال التركي ولا يزال مصيرهن مجهولاً.
وقصة الفتاة القاصرة (ك.م) البالغة من العمر 17 عاماً من ناحية شيراوا، والتي جرى توثيقها في 25 حزيران/يونيو من العام الجاري، تبرز كمثال على الانتهاكات الفظيعة، حيث أقدم المدعو يوسف، أحد عناصر “فيلق الشام” التابع للاحتلال التركي على اختطاف الفتاة والاعتداء عليها واغتصابها أكثر من مرة، قبل أن يعيدها إلى منزل والدها. وتشير مثل هذه الحوادث إلى حجم الأزمة ومدى الحاجة للتدخل الدولي العاجل.
أرقام صادمة
وتشير تقارير منظمة حقوق الإنسان في عفرين إلى أن عدد الضحايا من النساء اللواتي قُتلن على يد الفصائل التابعة لتركيا في عفرين منذ احتلالها في آذار/مارس عام 2018 وحتى الآن يتجاوز 95 امرأة، فيما تعرضت أكثر من 545 امرأة للاعتقال أو الاختطاف، من بينهن قاصرات. فيما بلغ عدد حالات الإعتداء الجنسي الموثقة 139 حالة، بينها 5 حالات انتهت بالانتحار نتيجة الظروف القاسية التي مرّت بها الناجيات.
في المناطق المحتلة لا سلطة قانونية تحمي النساء
في مناطق الشمال السوري الخاضعة لسيطرة الاحتلال التركي وفصائله، لا توجد سلطة قانونية تحمي النساء من الجرائم وخصوصاً تلك التي يرتكبها أفراد الفصائل المسلحة، فيما تعيق تركيا وفصاؤلها عمل المنظمات الحقوقية مما يجعل من الصعب جداً على تلك المنظمات توثيق الانتهاكات. بينما تمنع الوصمة الاجتماعية العديد من النساء من التحدث عن ما تعرضن له من انتهاكات خوفاً من العار أو الانتقام.
دعوات إلى العمل والمحاسبة
تنادي منظمات مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية بضرورة إجراء تحقيقات مستقلة وشفافة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. كما تسعى مبادرات حقوقية لدعم الناجيات عبر تقديم الدعم النفسي والمساعدات القانونية، بالإضافة إلى دعواتٍ لمجلس الأمن لاتخاذ خطوات جادة لوقف هذه الانتهاكات.
وفي السياق، تؤكد الحقوقية روزان طوبال أن النساء في الشمال السوري ما زلن يعانين من المآسي والصعوبات والمخاطر، لذا فالعالم اليوم بحاجة إلى وقفة جدّية لوقف تعنيف النساء وليس فقط مناهضته.
وطالبت طوبال مجلس الأمن والجهات ذات الشأن باتخاذ خطوات كفيلة بحماية المرأة والمجتمع السوري في المناطق التي تحتلها تركيا على وجه خاص.
أمل نحو التغيير
إن مكافحة العنف ضد المرأة في سوريا والعالم يحتاج إلى تعاون دولي ومحلي يتجاوز الشعارات. يجب اتخاذ إجراءات ملموسة لحماية حقوق النساء وتمكينهن من العيش بكرامة وأمان. تعزيز القوانين وتوفير الدعم الاجتماعي والنفسي للناجيات وتفعيل آليات المحاسبة هي خطوات ضرورية لإنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي وتحقيق العدالة وتوفير الأمل في غدٍ أفضل.