يشهد الشارع السوري حراكاً شعبياً مستمراً في محافظة السويداء منذ ما يزيد على العام، متميزاً بطابعه السلمي ومطالبه الوطنية الواضحة التي تتجاوز الانتماءات الطائفية والمذهبية.
“بعد دخول حراك السويداء عامه الثاني، يجب أن تكون لدينا خطة عمل سياسية بأهداف واضحة من أجل تغيير الواقع السياسي في سورية وإجبار النظام السوري على قبول التعديلات السياسية التي يريدها السوريون، لكن أن نبقى في مستوى التظاهرات دون أفق سياسي واضح، فإن هذا الأمر قد يُفقد الحراك جوهره”. هذا ما قاله أحد المتظاهرين في ساحة الكرامة في السويداء رافضاً الكشف عن اسمه. وفي السياق نفسه، خالفه وحيد مرهج، الناشط السياسي والإعلامي في السويداء، إذ قال: “صحيح أن الحراك دخل عامه الثاني دون أي تغييرات سياسية في سوريا، لكن يكفي أن ننظر إلى الحراك من زاوية استمراريته رغم كل محاولات النظام إجهاضه واستفزاز المتظاهرين، إلا أن حكمة وعقلانية منظمي الحراك وعموم أهالي السويداء أجهضت محاولات النظام في تشويه الحراك وأهدافه”.
ما سبق لا يُعد اختلافاً على منهجية الحراك، ولا يُعد أيضاً مؤشراً على تضارب الآراء حيال حراك السويداء، بقدر ما هو تقييم واقعي للحراك ومناقشات من أجل تعزيزه بقاعدة سياسية قادرة على إيصال رؤية السوريين إلى الخارج. وضمن ذلك، فإن ما تشهده السويداء على خلفية الحراك المستمر هو التمهيد لتشكيلات سياسية تشارك في المؤتمرات الدولية حيال الملف السوري، وهذا ما بدا واضحاً من خلال مشاركة اللجنة السياسية المنبثقة عن حراك السويداء في مؤتمر المسار الديمقراطي السوري في بروكسل، حيث أصدرت اللجنة السياسية في السويداء توضيحاً للرأي العام حول موقفها من المشاركة في مؤتمر بروكسل.
اقرأ/ي أيضاً: أصوات مكبوتة… العنف ضد النساء في شمال سوريا
كان بيان اللجنة السياسية في السويداء واضحاً في المضمون والأهداف، حيث أكدت أن حضورها في مؤتمر القوى الديمقراطية بمثابة خطوة على طريق الانفتاح على الحوار مع السوريين من دون استثناء عرقي أو ديني أو مذهبي. كما أوضحت اللجنة السياسية في رسالتها التي قدمتها في المؤتمر تمسكها بالقرارات الدولية، وعلى رأسها القرار 2254، كمدخل وحيد للحل السوري والانتقال السياسي المنشود.
إن ما يؤرق السلطة الحاكمة في دمشق ينطلق من أن حراك السويداء وأهدافه الواضحة واستمراريته بذات السوية والزخم قد بات له صوت سياسي واضح حيال ضرورة الحل السوري الشامل بحضور كل الفرقاء السوريين مهما اختلفت مشاربهم ضمن الإطار الوطني الجامع. وهنا تبدو واضحة حساسية السلطة حيال مصطلحات وعبارات الانتقال السياسي وضرورة الحل السياسي بناءً على القرار الأممي 2254.
ترى السلطة أن اجتماع السوريين في مؤتمر المسار الديمقراطي السوري، وحضور حشد كبير من السوريين الذين يحملون مشاريع وطنية، وضمن ذلك اللجنة السياسية المنبثقة عن حراك السويداء، يُعد ناقوس خطر يهدد وجودها، وهذا ما يترجم محاولاتها لإجهاض الحراك في السويداء.
أهداف حراك السويداء وما يؤرق السلطة
على مدى أكثر من عام، لا تزال الاحتجاجات قائمة في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء. ورغم الاستفزازات المستمرة من قبل السلطة وأجهزتها الأمنية، التزم المتظاهرون بسلمية الحراك، الأمر الذي أجبر السلطة على اتباع نهج مختلف في التعامل مع حراك السويداء عن باقي المحافظات السورية، التي حاولت فيها قمع المظاهرات إبان اندلاع الأزمة السورية في 2011 بالعنف المفرط. بينما أدارت ظهرها لانتفاضة السويداء، واستخدمت سياسة التجاهل والاحتواء، مراهنةً على عامل الوقت وما يترتب عليه من خلافات داخلية وانقسامات، إضافة إلى الظروف المعيشية القاهرة التي يعيشها أبناء المحافظة، حالهم حال مناطق سيطرة السلطة من سوء الخدمات وتدهور الوضع المعيشي والاقتصادي.
يوضح وحيد مرهج، الناشط السياسي والإعلامي في السويداء، أن النظام السوري غاضب جداً من استمرار حراك السويداء وإن حاول إظهار غير ذلك. إلا أن سياسات النظام وأبواقه تؤكد أنه يسعى إلى إجهاض الحراك واستفزاز المتظاهرين. وجاءت مشاركة اللجنة السياسية في السويداء بمؤتمر المسار في بروكسل لتزيد من الضغوط على النظام الحاكم. من هنا يتوقع مرهج أن يحاول النظام وأجهزته الأمنية ممارسة المزيد من الضغوط على حراك السويداء والتضييق على الأهالي بشتى الوسائل المتاحة لديه.
ويذكر مرهج محاولات النظام في إجهاض حراك السويداء التي بدأت منذ الأيام الأولى، حيث أرسل وفوداً للتهدئة وقدم وعوداً بتحسين بعض الخدمات كالكهرباء والمياه عبر محافظ السويداء السابق بسام بارسيك، الذي نقلها بدوره إلى الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري. لكن عرض النظام قوبل بالرفض لأن سقف المطالب في المحافظة ارتفع، ما دفع النظام إلى استخدام أساليب الترهيب، من قبيل بث إشاعات بدخول إرهابيين وانتحاريين إلى السويداء عبر البادية الشرقية، مستخدماً إعلاميين محسوبين عليه في بثها.
اقرأ/ي أيضاً: السلطة تعتمد مبدأ التشاركية مع السوريين، ولكن!
والأمر الآخر جاء في إطار تقديم حراك السويداء على أنه “حراك درزي يُدار من الخارج”، لكن رواية النظام بعيدة عن الواقع، خاصة أن المطالب وطنية بامتياز وهي مطالب الشعب السوري كافة.
ويضيف مرهج أن النظام حاول مراراً بث الفتنة بين أهالي السويداء ودرعا بهدف تقسيم المنطقة والسيطرة عليها من خلال بث الخطاب الطائفي في السويداء التي حاول على مدار أعوام إقصاءها عن المشهد السياسي. ويدرك السوريون أن النظام استخدم العنف ضد المحتجين لأول مرة عندما فرقت عناصر الأمن مظاهرة حاول المشاركون فيها اقتحام قيادة فرع حزب البعث في مدينة السويداء، ما أسفر عن وقوع ثلاث إصابات في صفوف المتظاهرين. لتأتي بعد ذلك محاولة النظام في استمالة أهالي السويداء عبر فتح باب تسوية أوضاع المطلوبين والمتظاهرين الذين شاركوا في ساحة الكرامة وإزالة الطلبات الأمنية بحقهم. وهذا ما يؤكد نهج النظام ورؤيته لأي سوري يرفع الصوت ضده بأنه إرهابي وعميل. لكن المتظاهرين في السويداء تجمعوا حينها أمام مركز التسويات وعبّروا عن رفضهم للتسوية وهتفوا بإسقاط النظام ورفعوا شعارات تؤكد سلمية حراكهم.
عجز السلطة أمام استمرار الحراك
تقول فرح أبو حمدان، الناشطة الإعلامية في حراك السويداء، إن مشاركة اللجنة السياسية المنبثقة عن حراك السويداء في مؤتمر المسار في بروكسل توضح أن حراك السويداء يسير في السياق الصحيح. وهنا لسنا بصدد مناقشة مخرجات المؤتمر، لكن انعقاد المؤتمر في هذا التوقيت ومشاركة اللجنة السياسية في السويداء ضمن المسار يُعد عامل تأثير في سياق الملف السوري. وبالتأكيد سيكون لهذا المؤتمر ومشاركة السوريين فيه قيمة مضاعفة في قادم الأيام. وعلى النظام أن يدرك أن غالبية السوريين يرفضون وجود السلطة ولابد من تطبيق القرار الأممي 2254 للانتقال إلى سورية ديمقراطية تعددية تلبي غايات وأهداف ومصالح السوريين جميعاً.
تؤكد أبو حمدان أن النظام أمام هذا الواقع بات حقيقةً في حيرة من أمره. وسياسات النظام تجاه حراك السويداء ومحاولة إجهاضه والتضييق على المتظاهرين تجسد قلق النظام من استمرار الحراك الذي بات له صدى إقليمي ودولي. ولا ننسى محاولات هذا النظام في استخدام أساليب الترهيب التي اعتمدها في السويداء لجهة اعتقال النشطاء وطلبة الجامعات من أبناء المحافظة أثناء تواجدهم خارجها، كما في حالة الطالب داني عبيد الذي اقتادته الأجهزة الأمنية من السكن الجامعي في اللاذقية في شباط 2024 على خلفية منشور له على “فيسبوك” يدعم فيه حراك السويداء.
في محصلة ما سبق، فإن حراك السويداء والتساؤلات حيال استمراريته وأهدافه باتت واضحة. فمشاركة اللجنة السياسية التي انبثقت من حراك السويداء في مؤتمر المسار في بروكسل، واستمرار الحراك في ظل ما يعانيه أهالي السويداء كما باقي السوريين من أوضاع معيشية واقتصادية خانقة، ورفع شعارات تطالب السلطة بالرحيل وتحقيق الانتقال السلمي وتطبيق القرار 2254، كل ذلك يُعد عامل إرهاق سياسي للسلطة. وحتى وإن حاولت السلطة وأبواقها التقليل من أهمية الحراك السياسي سواء في مؤتمر بروكسل الأخير أو استمرار الحراك في السويداء، إلا أن الواقع يؤكد أن الملف السوري، ورغم حالة التجاهل الإقليمي والدولي لعناوينه، لا زال ينبض بالحياة والأمل بفضل قواه الحية من شمال سوريا حتى جنوبها. ولا زال السوريون يعملون في مسار سياسي واضح غايته تغيير السلطة رغم حالة الضيق الاقتصادي والمعيشي التي تعصف بهم.
عمر الصحناوي -السويداء