بقلم: جيهان خضرو
على مرّ العصور شكَّل العنف ضد المرأة الجريمة الكلاسيكية الأوسع في تاريخ العنف الإنساني، وفي دول العالم كافة. فحماية المرأة التي تناولتها المواثيق الدولية في اتفاقيات جنيف الأربعة 1949 وبروتوكولاتها الإضافية 1977 لم تشكل رادعاً قوياً لإيقاف الاعتداء على النساء. واتّجهت المطالب لفترات طويلة نحو إزالة كابوس العنف الجسدي/الجنسي، الذي يطال “ثلث سيدات العالم” حسب إحصائيات الأمم المتحدة لعام 2015، لما له من آثار جانبية مدمرة. فالقائمة الطويلة للعنف الموجّه ضد المرأة تتطلب الكثير من الوقت والجهد ورفع الوعي بحجم المشكلات المرتبطة بالعنف مهما اختلفت أشكاله للحد منها، وبشكل متفاوت حول العالم. وهذا كان السبب خلف اختيار يوم 25 تشرين الثاني/ نوفمبر للقضاء على العنف.
كثيراً ما نتحدث عن العنف السياسي الذي تتعرض له المجتمعات الإنسانية، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط. فالعنف السياسي هو استخدام السياسة بشكل يؤدي إلى إلحاق أضرار غير مشروعة لفئة كبيرة من الشعوب. وتتعرض النساء منذ مئات السنين لهذا النوع من العنف على يد الحكومات والحكام في مختلف المجتمعات.
لا يزال موضوع مشاركة المرأة السورية في العمل السياسي موضوعاً جدلياً، فالمرأة السورية قبل الأزمة السورية كانت تختلف عما بعدها. فقبل الأزمة كانت مشاركتها لا تكاد تُذكر، فالنظام الحاكم في سوريا لم يتح للمرأة أن تشارك في صناعة القرار، أو أن تلعب دوراً قيادياً في الشأن العام.
اقرأ/ي أيضاً: الحرب اللبنانية، خطوة متقدمة على درب الشرق الأوسط الجديد
وهذه الحقيقة تعود لعدة أمور، منها طبيعة مجتمعاتنا، ونظرتها للمرأة التي لا تتعدى كونها زوجة وأم، حتى سادت فكرة أن المرأة لا تصلح لأعمال السياسة.
يتخذ العنف السياسي في سوريا كلا النوعين؛ الرمزي والمباشر، قبل الأزمة وبعدها. فإقصاء النساء مسألة تاريخية لا تزال مسيطرة، ولها تنظيمها المجتمعي والديني والسياسي. فالدولة السورية التي كانت أول دولة عربية تمنح المرأة حقها السياسي بالانتخاب والترشّح، والدولة 24 على مستوى العالم، لا تزال تتبنى قوانين تُقرّ بدونية المرأة، وحقوق الرجال بإخضاع النساء، ودساتير تحمي التمييز بين النساء والرجال وتخفيض حقوق النساء بدل تقويتهن.
فالنساء اللواتي حققن نسبة 10% في مجلس الشعب، أو صرن وزيرات ونقابيات على أهمية وجودهن الرمزية وضرورة وجودهن، بقين هامشيات كما كافة أعضاء المجلس ضمن نطاق السلطة الديكتاتورية. وبقي وجودهن تحقيقاً لأغراض ومكاسب تجميلية ودعائية لا تتعلق بتمكين النساء السياسي، بحيث تُعد مكاسب يُبنى عليها، في ظلّ ثقافة تقليدية متحيزة ضد المرأة، وضمن واقع ممزوج بالتناقضات والموقف المتحفظ من تحرر النساء ومشاركتها في الحياة العامة.
أما بعد الأزمة، فالمرأة دفعت ثمناً غالياً للصراعات الدائرة في سوريا، على حساب كرامتها وتفتت أسرتها. فقد شاركت بالمظاهرات، وقامت بأعمال كثيرة تخدم الحراك السوري. فالمشاركة السياسية للمرأة هي حقٌّ يجب أن تحصل عليه وواجب يجب أن تقوم به.
في سوريا، وبعد مرور 13 عاماً، ما زالت المرأة السورية تناضل وتكافح ضد كافة أشكال العنف والظلم، وتدافع عن حقوقها وحريتها من خلال التنظيم والإرادة الصلبة. وتضافرت الجهود النسوية التي بدأتها في شمال وشرق سوريا حتى توسعت وألقت بظلالها على كافة أرجاء سوريا والمنطقة والعالم.
وبالرغم من الإنجازات التي حققتها المرأة، إلا أن سياسات النظام البعثي والاحتلال التركي والفصائل الداعمة له، ما زالت تشكل خطراً على واقع النساء. حيث تتعرض بشكل شبه يومي لأساليب القمع والإبادة، وخاصة في المناطق المحتلة (عفرين، سري كانيه، إدلب، كري سبي ومناطق جرابلس – إعزاز- الباب) إلى جانب ارتكاب المجازر وجرائم الحرب، باستهداف الشخصيات القيادية الوطنية والسياسية.
إن استمرارية سياسة الذهنية السلطوية الذكورية بكافة أنماطها وأساليبها لا تزال تسعى إلى ترسيخ مفاهيمها في المجتمع، مستندة في ذلك على إبادة المرأة التي تُقتل بذرائع وحجج الشرف، وتُغتصب وتُسلب وتُنتهك كافة حقوقها. وهي من تدفع الثمن غالياً وتقع ضحية للعادات والتقاليد السلبية التي أنتجتها الأعراف الجنسوية والموروثات الاجتماعية والدينية.
اقرأ/ي أيضاً: المسار الديمقراطي السوري.. رؤية للحل وخطوة أولى على الطريق
أمام كل هذه التحديات والصعاب، يجب علينا الاستمرار في النضال والكفاح ضد كافة سياسات الأنظمة الاستبدادية. ونرفع من وتيرتنا النضالية والمطالبة بمحاسبة مرتكبي الجرائم بحق المرأة، ونؤكد على سعينا المستدام لتنظيم وحماية أنفسنا وتوحيد صوتنا ومواقفنا تجاه كل ما يعادي مسيرة حرية المرأة.
على الرغم من أنه خلال الخمسين سنة الأخيرة قامت بعض الدول بسنّ قوانين تسمح للمرأة بالاقتراع والمشاركة في اختيار الرؤساء وحتى الترشح للرئاسة وتقلّد هذا المنصب، إلا أن معظم هذه التشريعات والقوانين تبقى حبراً على ورق في الكثير من الأوقات.
لذا يتطلب من النساء النضال للوصول إلى أهدافهن وتغيير الأنظمة السياسية الحالية، وتصحيح حالة عدم التوازن والخلل في السياسة العالمية التي ينقصها المرأة التي تشكل أكثر من نصف سكان العالم. والعمل من أجل وجود المرأة في الحكومات وفي مواقع صنع القرار حول العالم. فلدى المرأة كفاءة وقابلية سياسية كبيرة، لكن وجود بعض العادات والتقاليد الاجتماعية يحول دون انخراطها في هذا المجال، فيجب أن تتجاوزها فوراً، وتفرض نفسها وبالتالي تمثّل ذاتها أينما كانت.
علينا جميعاً كنساء توعية ذواتنا في جانب مهم وحساس بالنسبة لنا في وقتنا الحالي، ألا وهو الحصول على كامل الحقوق السياسية. وتحصين أنفسنا من الانتهاكات والجرائم التي نتعرض لها. وبالتالي يجب على المرأة أن تأخذ دورها الريادي في المجتمع، وتطالب بنظام الرئاسة المشتركة الذي يطبق اليوم على أرض الواقع ضمن نظام الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، والتي من خلالها حققت المرأة ومن جميع المكونات مكتسبات حقيقية بعد أن خاضت نضالاً عسيراً من أجل ذلك.
نحن نؤمن بأن العنف ضد المرأة هو في الأساس عنف ضد الإنسانية وهو منبع لكل المشاكل الإنسانية. لذلك يجب أن نوقف العنف وثقافة الاغتصاب بشكل كامل. وعلى هذا الأساس، وبمناسبة يوم مناهضة العنف ضد المرأة، ندعو جميع النساء اللواتي يتمتعن بحياة اجتماعية ديمقراطية حرة إلى النضال في كل المجالات. عليكن الإصرار والقيام بالتغييرات الصحيحة في نضالكن من خلال بناء مجتمع ديمقراطي تعددي على أساس حرية المرأة.