لا يمكن النظر إلى الحدث السوري بمعطياته الحالية، دون توقّع حدوث تأثيرات كبرى على الشعب السوري، سواء لـ ناحية السياسات الجديدة وكذلك مرحلة التعافي الاقتصادي والعمل على إزالة الأزمات التي أرّقت السوريين، وصولاً إلى البدء حقيقةً وفعلاً بـ بناء سوريا ديمقراطية تعددية عبر مسار سياسي يجمع السوريين بكل أطيافهم، ولا يخفى على أحد أن رحيل النظام السوري لا يُعد نهاية أزمات السوريين أو أنهم باتوا أقرب إلى فجر الحرية الموعود، خاصة أن إرث النظام السابق الذي طال سوريا والسوريين، لا يمكن بسهولة الالتفاف عليه لا سيما أن أربعة وخمسين عاماً ليس من السهل التخلص من تأثيراتها، والأهم أن المرحلة القادمة في سوريا لا تتضمن فقط البدء بحوار سوري سوري يُركز على عناوين المرحلة السورية القادمة، بل ثمة عناوين إقليمية ودولية كثيرة تتقاطع مع الواقع السوري الجديد، وهنا ثمة الكثير من المسارات التي يجب أن تكون نهايتها واضحة للسوريين أولاً خاصة أنهم رزحوا تحت حكم سلطة قمعية أدخلتهم في أزمات لا حدود لها، واليوم باتوا أحراراً لكنهم مطالبين أكثر من أي وقت مضى، بالعمل سريعاً لتأطير أرث النظام السابق وتأثيراته.
المشهد في سوريا وإن بدا عناوينه واضحة في مرحلة ما بعد الأسد، لكن ثمة الكثير من المسارات التي يجب بناؤها بطرق ممنهجة تعتمد على توحيد رؤية السوريين للواقع القادم، وهذا لا ينفي أن هناك إشكاليات كثيرة قد تواجه الشعب السوري، لكن بذات التوقيت فإن السوريين يجب أن يعملوا في سبيل الوصول إلى سوريا ديمقراطية تعددية دون إقصاء أحد، وعندما نقول دون إقصاء أحد فإن هذا يدخل في صلب بناء سوريا الجديدة التي يجب أن تضم أبناءها من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب.
هواجس السوريين بعد سقوط الأسد
الحدث المفاجئ الذي تمثل في رحيل السلطة، وسيطرت إدارة العمليات العسكرية على دمشق، أزاح همّاً كبيراً بقي جاثماً على صدور السوريين لـ سنوات، لكن بذات التوقيت لا يمكن أن يمرّ رحيل النظام وقدوم قيادة جديدة لـ سوريا مرور الكرام، أو أن أزمات السوريين في المستويات كافة قد انتهت، بل هذا الأمر يعني بأنه من الضروري البدء فورا بمرحلة التعافي السياسي والاقتصادي والاجتماعي، خاصة أن الكثير من السوريين قد لا يتفقوا مع سياسات هيئة تحرير الشام، ورغم إبداء الكثيرين ارتياحهم حيال جُملة القرارات التي اتخذتها الهيئة عقب سيطرتها على دمشق وإسقاطها النظام، لكن في المقابل فإن هناك ضرورات سياسية واجتماعية واقتصادية تقتضي البحث فوراً عن سُبل النهوض بـ سوريا والأهم أن يكون السوريين أنفسهم هم أصحاب القرار والرؤية في سوريا الجديدة.
اقرأ/ي أيضاً: الجنوب السوري ومستنقع الكبتاغون
الناشط السياسي والإعلامي وفيق مرعي من دمشق، أكد أن رحيل النظام لا يعني انتهاء أزمات السوريين، فالنظرة المعقدة للواقع السوري تقتضي التعمّق في طرح أي رؤية لمرحلة ما بعد الأسد، خاصة أن النظام السابق ترك الكثير من التراكمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولابد من العمل على تفنيد كل عنوان بما يضمن تعزيز واقع السوريين والانتقال بهم إلى واقع أفضل.
يشرح وفيق مرعي – وهو مثقف سوري أربعيني – رؤيته للتحولات الجارية في سوريا، خاصة ما يتعلق بسيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق وتشكيل الحكومة الانتقالية.
يرى مرعي أن سيطرة تحرير الشام على دمشق وانهيار السلطة الحالية يحمل دلالات عميقة تتجاوز مجرد التغيير السطحي. وفي الوقت نفسه، يبدي تحفظات على تشكيل الحكومة الانتقالية بسرعة وبعيداً عن التشاور مع مختلف أطياف المعارضة السورية.
يلفت الانتباه إلى أن الانتقال من واقع إلى آخر يتطلب التأني والصبر، معرباً عن استعداده لإعطاء الفرصة للحكومة الجديدة برئاسة محمد البشير لإثبات قدراتها.
ويستدرك قائلاً إن تعيين أحمد الشرع للبشير كرئيس للحكومة الانتقالية دون تشاور مسبق يثير مخاوف عديدة لدى السوريين. لكنه يرى في الوقت ذاته أن حساسية المرحلة قد تتطلب الإسراع في تأمين المتطلبات الأساسية للسوريين أمنياً واقتصادياً وسياسياً.
ويتوقع مرعي أن تستمر هذه الحكومة حتى بداية مارس/آذار المقبل، مشدداً على ضرورة مراقبة أدائها ومدى قدرتها على تحسين الظروف المعيشية للسوريين.
وختم بالقول إن الحكم النهائي سيكون مرهوناً بما ستحققه الحكومة الانتقالية من إنجازات ملموسة، وإلا فإن السوريين سيكون لهم كلمتهم.
تحديات المرحلة القادمة
الحكومة الانتقالية برئاسة البشير بطبيعة الحال أمامها الكثير من الملفات المعقدة، لا سيما أن السنوات السابقة شهدت أزمات عصفت بكل السوريين، وثمة حالة من الإرهاق الشعبي وعقود من القمع والاستبداد، فإن كل ذلك كان سبباً ومدعاة لـ ضرورة التغيير والعمل على تسريع حلحلة الملفات الإقتصادية والاجتماعية التي عانى منها السوريون، وضمن ذلك فإن البشير تُفتح على طاولته ملفات ذات حساسية خاصة، من ضمنها الملف المعيشي والاقتصادي للسوريين، كما أن الفساد المستشري في المؤسسات السورية والسياسات الفاشلة للنظام السابق أضعفت الاقتصاد السوري بصورة كبيرة، مما جعل النظام عاجزاً عن تلبية حاجات الشعب أو حتى دعم مؤيديه التقليديين، وهذا ما يؤكد بأن أمام الحكومة الجديدة مسارين في غاية الأهمية أحدهما معيشة السوريين، والثاني ضبط الأمن وتعزيز حالة الاستقرار بما ينعكس على واقع السوريين جميعاً.
الباحث الاقتصادي بسام مرهج من دمشق، يقول بأن الحكومة الانتقالية أمامها تحديات كثيرة تبدأ بالهم المعيشي والاقتصادي للسوريين ولا تنتهي بالهم المتعلق بتعزيز حالة الاستقرار وترسيخ الأمن ومنع الانفلات، ويؤكد بسام مرهج، بأن الأمر المهم لا يؤطر برحيل النظام فحسب، بل ثمة شعب سوري يجب القضاء على معاناته، ونأمل أن تكون هذه الحكومة الجديدة على قدر هذه المسؤولية السياسية والاقتصادية، بما يعزز واقع السوريين والانتقال بهم إلى واقع مغاير يكون بداية النهوض والازدهار.
اقرأ/ي أيضاً: هل خرجت دمشق من “محور المقاومة” بعد حرب غزة؟
يؤكد مرهج أن سقوط النظام يمثل نقطة تحول في تاريخ السوريين، ولكن الصحيح أيضاً بأنه بداية لمرحلة جديدة مليئة بالتحديات، والانتقال من نظام استبدادي إلى دولة ديمقراطية يتطلب جهوداً هائلة لتجاوز آثار الحرب والانقسام، وعلى الحكومة الجديدة أن تدرك هذه المسائل وأن تعمل على إعادة بناء الدولة خاصة أن المؤسسات السورية سيُست لخدمة النظام، وهذا الأمر يعد تحدياً في الانتقال بهذه المؤسسات إلى النهج الجديد، حيث أن هناك ضرورة لـ إعادة بناء هذه المؤسسات على أسس جديدة تعزز الشفافية والمساءلة وهذا يجب أن أمر حتمي.
يُضيف مرهج، بأن هناك أيضاً تحدياً لا يقل أهمية عن التحدي الاقتصادي والمعيشي، حيث أن الحكومة يجب أن تعمل أيضاً على التصالح الوطني، خاصة بعد سنوات من الحرب والانقسام، وهذا ما يتطلب الحاجة إلى عملية مصالحة شاملة تضم جميع الأطياف السياسية والاجتماعية لضمان عدم تكرار مآسي الماضي، كما أن التحدي الاقتصادي الذي يتطلب إعادة الإعمار والحاجة إلى استثمارات هائلة، ومن الضروري هنا أن تعمل الحكومة الانتقالية على الاتصال بكافة القوى الدولية والإقليمية الداعمة للشعب السوري في تقديم الدعم المالي للسوريين، وعندما نقول بأن هذه الحكومة هي انتقالية ومؤقتة فإن هذا الأمر لا يُلغي أن تقوم هذه الحكومة العمل والعمل الجاد بالملفات السابقة، فقد آن الآوان لأن يتجاوز السوريين المرحلة السابقة ويكون هناك بناء صحيح يحمل تطلعاتهم إلى سورية المستقبل.
حقيقةً إن سقوط النظام السوري يمثل لحظة أمل وفرصة تاريخية للسوريين للتخلص من عقود من الاستبداد والدمار، لكن هذا السقوط لن يكون نهاية المطاف، بل بداية طريق طويل يتطلب الوحدة والعمل الجاد لبناء دولة حرة ومستقرة، كما أن نجاح السوريين في هذه المهمة لن يعتمد فقط على التخلص من النظام السابق، بل على قدرتهم على بناء مجتمع متماسك يعكس تطلعاتهم للحرية والكرامة، وفي نهاية المطاف سيكون الشعب السوري هو السيد الوحيد لمستقبله، والقادر على تحويل هذا الحلم إلى واقع مشرق.
عمار المعتوق- دمشق