يُبدي أهالي مدينة حماه فرحاً كبيراً بعد سقوط نظام الأسد، فالمشاهد من المدينة وريفها تترجمها مظاهر الفرح عقب السقوط، حيث إن الكثيرين من أهالي المدينة قد تخلصوا من كابوس بقي جاثماً على صدورهم ما يزيد عن خمسين عاماً، وباتوا بعد هروب الأسد وأجهزته الأمنية القمعية ضمن واقع جديد عنوانه الأبرز والأهم الانتقال إلى دولة المواطنة والتعددية السياسية. وفي الوقت ذاته، فإن أهالي حماه يستذكرون بمرارة وحُرقة المجزرة التي ارتكبها النظام السوري عام 1982 في مدينة حماه، لكنهم اليوم وبحسب الكثيرين قد وصلت الحقوق إلى أصحابها بعد سقوط النظام.
اقرأ/ي أيضاً: آمال وتحديات.. واقع الساحل السوري بعد سقوط النظام
مثّل سقوط النظام السوري بداية جديدة كان أهالي حماه يتوقون إليها. هي مرحلة يرغب من خلالها أهالي المدينة في ترميم ما خلّفته سنوات حكم آل الأسد، والعودة إلى تجسير أي خلافات كان نظام الأسد سبباً في بروزها، خاصة أن الكثير من أهالي المدينة أُجبروا على العمل في قوات الأسد العسكرية والأمنية. وهذا ما دفع الكثيرين إلى عقد ورش عمل سياسية، تُناقش من خلالها الكثير من القضايا التي تهم المحافظة أولاً، وما يريده السوريون من الحكم الجديد ثانياً، مع التأكيد خلال تلك الورش والندوات على أن السوريين جميعاً سيشاركون في بناء سوريا الجديدة.
فرحة العودة إلى العمل السياسي دون قيود
“العبء الأكبر رحل واليوم مسار سياسي جديد علينا تعبيده بالحب والوطنية”؛ هذا ما قاله المحامي والناشط السياسي عمار الجرف من مدينة حماه، إذ يؤكد أن نظام الأسد وممارساته الأمنية أجبرت غالبية السوريين على ترك العمل السياسي والتقولب ضمن مناقشات وأطروحات “حزب البعث” التي أدت إلى تهميش وتصحير الحياة السياسية في سوريا. لكن اليوم وبعد رحيل هذا النظام، بدأ الألق يعود إلى حياة السوريين السياسية، فالمشاركات من قبل أبناء المدينة في المؤتمرات والندوات التي عُقدت بعد سقوط الأسد، أظهرت أن الكثيرين يملكون خطاباً سياسياً هادئاً ومتوازناً، ويملكون أيضاً رؤية سياسية حيال سوريا الجديدة، وهذا ما لمسته أنا والكثيرون من خلال الاستماع إلى غالبية نشطاء المدينة ووجهائها أثناء الندوات التي ناقشنا من خلالها الواقع السوري الجديد.
يؤكد عمار أن الحركة السياسية في المدينة تشهد نشاطاً ملحوظاً بعد سقوط الأسد، وقبل أيام كان هناك اجتماع عُقد في “فندق إيبلا الشام” في المدينة، وشهد نقاشات وحوارات واسعة تناولت واقع المدينة الاقتصادي وضرورة تفعيل الخطط الاقتصادية للنهوض بواقع السوريين. وعلى اعتبار أن موقع المحافظة يتوسط سوريا، فإن لهذا الأمر ميزات كثيرة وعلى الإدارة الجديدة استغلال هذا الموقع لتفعيل النشاط الاقتصادي. وفي جانب آخر، فإن الكثيرين وجّهوا رسائل إلى السيد أحمد الشرع حيث طالبوه بتعزيز الأمن في محيط المدينة وإشراك الأهالي في هذا الأمر، بغية عدم السماح لفلول النظام بإحداث أي حالة من الفوضى.
ويختم عمار بقوله، “حقيقةً إن مدينة حماه تشهد وبشكل يومي الكثير من النشاطات السياسية، والأهم أن هناك الكثير من الوفود التي تأتي من كافة أرياف حماه ومن كل الطوائف، وهذا ما يؤكد أن السوريين حقيقةً هم على قلب رجل واحد”. وفي نهاية كل ندوة يتم التوصل إلى الخطوط العريضة والمأمولة من القيادة الجديدة، حيث نرغب كسوريين بالعمل سريعاً على إقرار عقد اجتماعي جديد يوحد السوريين، والإسراع بوضع الخطوط العريضة للدستور السوري الجديد الذي سيكون مسار الأمان السياسي لكل السوريين والذي سيضمن حقوقهم.
هواجس لكنها ضمن الحدود الطبيعية
لا شك في أن الانتقال من واقع إلى واقع جديد ستشوبه بعض المنغصات والهواجس، وهذا أمر طبيعي في مراحل الانتقال السياسي. تقول إيمان شيخ الزور، ناشطة نسوية، إن هناك هواجس كثيرة وحالة من الترقب، ورغم ما تشهده مدينة حماه من حراك سياسي مهم، إلا أن الأمر لا يخلو من بعض التحديات، والتي يأتي على رأسها شكل الحكم الجديد والمسار السياسي الذي يجب اعتماده للوصول إلى سوريا التعددية الديمقراطية. لكن بالتوازي فإن تطمينات القيادة الجديدة وما تقوم به من حراك إقليمي ودولي يزيل بعض الهواجس، لكن أيضاً على القيادة الجديدة العمل فوراً على ترسيخ حالة الاستقرار السياسي في البلاد، وهذا الأمر من شأنه تعزيز حالة الاستقرار في كل المجالات. وتضيف: “نحن كحركة نسوية أمامنا الكثير من العمل ضمن المجتمع الحموي وحتى في الأرياف، بغية مساعدة الجميع على تخطي مرحلة النظام السابق وتعزيز المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية الجديدة”. وتختم السيدة إيمان بقولها إن هناك تجاوباً كبيراً من قبل القيادة الجديدة مع تحركاتهم وحتى الأهالي في المدينة والريف يعملون معهم في تعزيز الواقع الاجتماعي في عموم المحافظة.
اقرأ/ي أيضاً: كيف يستغل تنظيم “داعش” التحولات الجارية في سوريا؟
لا شك في أن غالبية السوريين قد تخلصوا من إرهاب النظام السابق وممارساته بحق كل السوريين، لكن في المقابل فإن السوريين أمامهم الكثير من الأعمال لترميم الهوّة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أحدثها نظام الأسد. لكن بالتوازي فإن أهالي حماه يقومون بنشاطات سياسية كبيرة ومهمة، وثمة حالة من الارتياح الشعبي تعكسه ندرة الحوادث الأمنية في المدينة وريفها، وبحسب كثيرين فإن الهم الأكبر قد رحل ونحن أمام مرحلة جديدة سنعمل على أن يكون الاستقرار في المستويات كافة عنوانها الرئيس.
ضياء العاصي- حماة