اندلعت الأحداث الدامية في الساحل السوري يوم 6 مارس/آذار، عندما شنت مجموعات مسلحة تُعرف باسم “قوات درع الساحل”، المؤلفة من فلول النظام السابق، هجوماً واسع النطاق على مقرات قوات الأمن العام في بانياس وجبلة.
ووفقاً للمصادر الرسمية في الحكومة الجديدة، فقد أسفر الهجوم الأولي عن مقتل نحو 250 عنصراً من قوات الأمن، مما أدى إلى تصعيد سريع للعنف في المنطقة، وانتشار الاشتباكات إلى مناطق أخرى.
تصاعد العنف وامتداد دائرة الصراع
مع تصاعد الاشتباكات، شهدت مدن وقرى الساحل موجة من العنف غير المسبوق، حيث تعرضت أحياء بأكملها لهجمات مسلحة خلفت مئات القتلى من المدنيين، بينهم أطفال ونساء وكبار سن. ورافقت هذه العمليات مشاهد مروعة من الإعدامات الميدانية والتدمير الواسع للممتلكات، في ظل حالة من الفوضى والانهيار الأمني.
اقرأ/ي أيضاً: العدالة الانتقالية بين المحاسبة والمصالحة الوطنية
مع امتداد العنف، تعرضت قرى وبلدات الساحل السوري لقصف مكثف في 8 مارس/آذار، مما أجبر معظم سكانها على النزوح نحو الوديان المجاورة، بينما تم دفن مئات الضحايا في مقابر جماعية وسط تعتيم إعلامي ومحاولات لطمس معالم الجرائم.
وفي ظل هذه التطورات، أعلنت وزارة الدفاع السورية عن بدء “المرحلة الثانية” من العمليات العسكرية، مؤكدة سعيها لملاحقة “فلول النظام البائد” في مناطق الساحل المختلفة. كما تم الكشف عن مقبرة جماعية قرب القرداحة، ضمت جثث عناصر من الأمن العام والشرطة، في مؤشر آخر على حجم المأساة التي شهدتها المنطقة.
العملية الانتقالية والإعلان الدستوري: بين الوعود والتحديات
وسط هذا المشهد الدموي، جاءت ولادة الإعلان الدستوري الجديد ليضع البلاد على مسار انتقالي نحو نظام أكثر استقراراً. تضمن الإعلان وعوداً بتحقيق العدالة والسلم الأهلي، لكنه واجه منذ البداية اختباراً عسيراً مع تصاعد العنف في الساحل.
ينص الإعلان في مادته الحادية عشرة على “التزام الدولة بحماية السلم الأهلي ومنع الفتن”، بينما تؤكد المادة الثالثة عشرة على “وجوب احترام النظام العام وضمان حقوق المواطنين”. لكن الوقائع على الأرض تطرح تساؤلات حقيقية حول مدى جدية الحكومة الجديدة في تطبيق هذه الالتزامات.
مسؤولية الحكومة الجديدة: هل ستحقق العدالة؟
من الناحية القانونية، يلزم الإعلان الدستوري الدولة بتقديم مرتكبي المجازر إلى العدالة، وفقاً لنص المادة الحادية والثلاثين التي تشدد على “عدم جواز العقاب إلا بنص قانوني وضمان محاكمة عادلة”. لكن مع استمرار حالة التوتر في الساحل، تثار مخاوف من أن هذه المجازر ستبقى بلا تحقيق جدي أو مساءلة قانونية.
يرى الناشط السياسي نزار صافي أن “الإعلان يمنح الرئيس الجديد صلاحيات واسعة، لكنه لا يتضمن آليات واضحة لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، مما قد يضعف من قدرة الحكومة الجديدة على تنفيذ وعودها بشأن العدالة”. ويضيف صافي: “إن غياب الإجراءات القضائية المحددة قد يفتح الباب أمام الفوضى، ويجعل من الصعب تحقيق المصالحة الحقيقية أو ضمان حقوق الضحايا”.
من جهة أخرى، يؤكد الناشط برهان العزام أن “محاسبة مرتكبي المجازر ستكون الاختبار الحقيقي لمصداقية الحكومة الجديدة”. ويقول العزام: “من دون محاكمة عادلة وشفافة، سيكون من المستحيل بناء الثقة بين الشعب والحكومة. إذا لم تُحاسب الجهات المتورطة، فإن العدالة ستظل مجرد وعود لا قيمة لها”.
أما الناشطة في حقوق الإنسان، سلوى عبد الله، فتشير إلى أن “المجتمع الدولي يجب أن يلعب دوراً أكبر في الضغط على الحكومة الجديدة لضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. التاريخ لن يرحم من يتجاهل العدالة في هذه اللحظة الحرجة”. وتضيف عبد الله: “الضحايا ينتظرون العدالة، والوقت ليس في صالح الحكومة إذا أرادت بناء مستقبل مختلف لسوريا”.
اقرأ/ي أيضاً: عفرين.. أصوات تنادي بالعودة، فهل من مجيب؟
ويوضح المحامي رائد حسان، المتخصص في القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، قائلاً: “التزام الحكومة الجديدة بتنفيذ الإعلان الدستوري أمر في غاية الأهمية، ولكن يجب أن تواكبه خطوات عملية، مثل إنشاء محكمة مختصة للنظر في الجرائم المرتكبة. العدالة هي الخطوة الأولى نحو إعادة بناء سوريا بشكل حقيقي”.
مستقبل سوريا بين العدالة وإعادة إنتاج العنف
مع استمرار التوتر في الساحل السوري، يبقى السؤال الأبرز: هل ستنجح الحكومة الجديدة في فرض العدالة وتنفيذ بنود الإعلان الدستوري، أم أن ما جرى سيُطوى في صفحات النسيان كما حدث في نزاعات سابقة؟
المطالبات بتحقيق دولي مستقل تزداد يوماً بعد يوم، إذ يرى كثيرون أن ضمان العدالة هو السبيل الوحيد لمنع تكرار هذه المآسي، والحفاظ على أي فرصة لبناء دولة قائمة على القانون والحقوق. لكن في ظل مشهد سياسي معقد، تبدو الإجابة على هذا السؤال مرهونة بمدى جدية السلطات الجديدة في اتخاذ إجراءات حقيقية تضع حداً لدوامة العنف المستمرة.
معن الجبلاوي- اللاذقية