لم يكن الإعلان الدستوري، الذي صدر قبل أيام وصادق عليه رئيس المرحلة الانتقالية السيد أحمد الشرع، موضع جدل بين السوريين فحسب، بل شكّل صدمة لغالبية المواطنين الذين رأوا في بنوده تجاهلاً واضحاً لمطالبهم بإعادة ترميم الواقع السوري عبر دستور يوحّد السوريين ولا يُقصي أي تيار أو مكوّن. إلا أن الإعلان جاء بعكس التوقعات، ما عزّز المخاوف من منحه الرئيس صلاحيات غير محدودة خلال فترة انتقالية تصل إلى خمس سنوات، مع إمكانية تمديدها، الأمر الذي أثار قلق العديد من المكوّنات السورية التي ترى في هذا الإجراء تكريساً لحكم مطلق بعيداً عن التعددية السياسية والديمقراطية، التي ينبغي أن تكون عماد سوريا الجديدة.
بعد صدور وثيقة الإعلان الدستوري، تباينت آراء السوريين، إلا أنها في مجملها عكست هواجسهم بشأن سعي الإدارة الجديدة إلى ترسيخ سلطتها لفترة طويلة. فالإعلان لم يُطرح للنقاش أو الحوار بين السوريين بشكل كافٍ، بل مُرّر بسرعة فاجأت الجميع، فضلاً عن منحه الرئيس صلاحيات واسعة، ما أثار استياء السوريين ليس فقط في السويداء، بل في جميع أنحاء البلاد.
وفي هذا السياق، عبّر عدد من محامي السويداء عن رفضهم القاطع للإعلان، معتبرين أنه يعيد إنتاج الاستئثار بالسلطة عبر نظام مركزي يفتقر إلى ضمانات الفصل بين السلطات واستقلال القضاء. كما حذروا من أن هذه الخطوات قد تؤدي إلى إعادة إنتاج القمع بوجوه مختلفة، مما يهدد مستقبل البلاد برمته.
مواد الإعلان الدستوري لم تتماشى مع طموحات الثورة السورية
يوضح المحامي والخبير القانوني نضال الغزالي من السويداء أنه لن يتطرّق إلى المبادئ الأساسية التي نصّ عليها الإعلان، إذ إنها تكريس لما هو بديهي في الدساتير الحديثة. لكنه يشير إلى أن شعباً خاض ثورة على مدى ثلاثة عشر عاماً ضد الاستبداد والفساد، وواجه القتل والتهجير والتعذيب وانتهاك الحقوق، كان من المفترض أن يرى في الإعلان الدستوري مواد تكرّس أبسط الحقوق والمبادئ التي ناضل من أجلها.
ويضيف الغزالي أن الإعلان، في بعض الجوانب المهمة، لم يتماشى مع تطلعات الثورة، بل عزّز مبادئ كانت من أسباب اندلاعها، موضحاً أن المادة الثالثة من الإعلان نصّت على أن دين رئيس الجمهورية هو الإسلام، ما يشكّل مخالفة صريحة لمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات الوارد في المادة العاشرة. إذ كيف يمكن تحقيق المساواة إذا كان يحق لمواطن سوري الترشّح لرئاسة الجمهورية بينما يُحرم آخر من هذا الحق؟
اقرأ/ي أيضاً: أحداث الساحل السوري.. اختبار حقيقي لالتزامات الحكومة الجديدة
كما يرى الغزالي أن استئثار الرئيس بسلطات واسعة، لا سيما تعيين أعضاء المحكمة الدستورية ولجنة اختيار أعضاء مجلس الشعب وثلث أعضاء المجلس، يقوّض مبدأ فصل السلطات، ويطرح تساؤلاً حول مدى تمثيل مختلف أطياف الشعب السوري في هذه الهيئات.
غموض في نصوص الإعلان الدستوري
يشير الغزالي إلى الغموض الذي يعتري نص المادة الرابعة والعشرين، فيما يتعلق بالهيئات الفرعية الناخبة، معتبراً أن ذلك سيؤدي إلى إشكالات في آليات عملها. ويتساءل إن كانت هذه الهيئات ستتمكن فعلاً من انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب، وما الآلية التي ستعتمدها لذلك. ويرى أنه كان من الأفضل ترك اختيار ممثلي المحافظات لكفاءات تكنوقراطية معروفة بنزاهتها، ولم تتورط في الفساد أو الجرائم، وتحمل مشروعاً وطنياً يتوافق مع مبادئ الثورة السورية وأهدافها.
أما بشأن تحديد المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، فيؤكد الغزالي أن لا مبرر لإطالة هذه الفترة، إذ إن الهدف منها هو إعادة تأسيس الدولة وترسيخ الأمن، وإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية التي يعاني منها السوريون. غير أن إطالة أمد المرحلة الانتقالية يولّد إحباطاً لدى الشعب، ويزيد من معاناته، ويضعف ثقته بقدرة الحكومة على تحقيق تطلعاته.
اقرأ/ي أيضاً: العدالة الانتقالية بين المحاسبة والمصالحة الوطنية
ويختم الغزالي حديثه حول اعتبار الفقه الإسلامي مصدراً للتشريع، مشيراً إلى أن الشريعة الإسلامية تتقاطع مع القوانين المدنية الحديثة والشريعة العالمية لحقوق الإنسان، خاصة في قوانين الأحوال الشخصية. لكنه يرى أن اعتبار الفقه الإسلامي المصدر الرئيسي للتشريع يتجاهل مصادر التشريع الأخرى، ما قد يؤدي إلى إهمال نصوص قانونية مستمدة من مصادر مختلفة بحجة تعارضها مع آراء فقهية، وهو ما يشكّل خرقاً لمبدأ سيادة القانون. كما يحذّر من أن الاعتماد على بعض الآراء الفقهية المتطرفة قد يخلق شرخاً بين مكوّنات الشعب السوري، ويهدّد وحدة الدولة.
مع استمرار الجدل حول الإعلان الدستوري، يبقى المشهد السوري مفتوحاً على عدة سيناريوهات، أبرزها تصاعد الاحتجاجات الرافضة له، أو محاولة السلطة احتواء الغضب الشعبي من خلال تعديلات شكلية. وفي ظل هذا الواقع، يبقى رأي غالبية السوريين عاملاً حاسماً في رسم مسار الأزمة، وسط ترقّب لما ستؤول إليه الأوضاع في الفترة المقبلة.
عمر الصحناوي- السويداء