لا تقتصر التحديات التي تحيط بالملف السوري على الجانب السياسي فحسب، بل تمتد إلى أبعاد اقتصادية معقدة تجعل الاقتصاد السوري يواجه تحديات بالغة الخطورة. فقد كرّس النظام السابق سياسات اقتصادية أفضت إلى أزمات متراكمة، إلى جانب استنزاف مقدرات البلاد وبيعها كأصول سيادية لصالح حلفائه. وفي ظل هذا المشهد، تثار تساؤلات عديدة حول قدرة الإدارة الجديدة على التعاطي مع الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالسوريين، خصوصاً في ظل الارتفاع المتزايد في معدلات الفقر، والقرارات التي طالت شرائح واسعة من العاملين في الدولة، حيث تم تسريحهم تعسفياً بهدف تأمين السيولة النقدية، وفقاً لما يراه بعض المراقبين.
واقع الأمر يشير إلى أن الإدارة الجديدة تحاول بثّ الروح في شرايين الاقتصاد السوري، غير أن حجم التحديات يبدو هائلًا، لا سيما مع الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية منذ عام 2011 وما تلاه من أزمات متلاحقة. هذه المعطيات تفرض على الإدارة الجديدة البحث عن حلول عاجلة، خاصة في ظل التطلعات الشعبية إلى تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية. ومع استمرار العقوبات الدولية وارتفاع معدلات التضخم وبقاء غالبية السوريين تحت خط الفقر، يصبح لزاماً إطلاق سياسات اقتصادية فاعلة تُسهم في ترميم المشهد الاقتصادي وتعزز مستوى معيشة السوريين.
اقرأ/ي أيضاً: الإعلان الدستوري يُثير استياء أهالي السويداء ومحاميها
الانفتاح والاستثمارات والحلول الإسعافية
يرى الخبير الاقتصادي محمد فطوم أن انخفاض سعر الصرف وتحسّن قيمة الليرة السورية لا يعكس بالضرورة مؤشرات إيجابية بشأن الاقتصاد السوري، مؤكداً أن البلاد تواجه تحديات اقتصادية جسيمة تستدعي معالجات فورية. وبرأيه، فإن انتشال الاقتصاد السوري من أزمته لن يتحقق إلا من خلال الانفتاح على العالم الخارجي، وتهيئة بيئة سياسية وأمنية مستقرة تُسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب إطلاق مشاريع تنموية يمكن أن تشكل طوق النجاة للاقتصاد السوري.
ويضيف فطوم أن رئيس المرحلة الانتقالية أشار مؤخراً إلى أن سوريا تستعد لوضع خطة اقتصادية استراتيجية تهدف إلى إعادة هيكلة الاقتصاد، بعيداً عن النهج الاشتراكي التقليدي. كما كشف عن وجود فريق اقتصادي من السوريين، داخل البلاد وخارجها، يعمل على إعداد خطة اقتصادية تمتد لعشر سنوات. ورغم إيجابية هذه التصريحات، فإن تحقيق هذه الأهداف يتطلب استقراراً سياسياً وأمنياً، فضلاً عن إصدار تشريعات اقتصادية جديدة تتيح جذب الاستثمارات. ويشدد فطوم على أن رفع العقوبات الدولية، وتشجيع الاستثمارات، وإتاحة الفرصة للمغتربين السوريين لاستثمار أموالهم في البلاد، جميعها عوامل قادرة على إنعاش الاقتصاد السوري، محذراً في الوقت ذاته من أن استمرار الأزمات الاقتصادية دون حلول جذرية سيؤدي إلى تفاقم المعاناة الاجتماعية.
الاقتصاد السوري في خطر
يرى البعض أن الاستقرار الاقتصادي يمثل حجر الزاوية في تحقيق الاستقرار السياسي في سوريا، إذ إن أكثر من عقدٍ من الحرب أفضى إلى حالة من الدمار الاقتصادي، وتسبب في تدهور الخدمات العامة إلى مستويات تنذر بالخطر. لكن التساؤل المطروح هو: كيف يمكن تحقيق الاستقرار الاقتصادي في البلاد؟
يؤكد وليد الرحال، الباحث الاقتصادي السابق في مركز “مداد دمشق للدراسات”، أن الاقتصاد السوري في وضع حرج، وأن تحقيق الاستقرار السياسي مستحيل دون استقرار اقتصادي. ويوضح أن التحدي الأكبر الذي يواجه الإدارة السورية الجديدة يتمثل في معالجة تضخم القطاع العام، حيث أدى سوء الإدارة والفساد في عهد الأسد إلى تضخم هائل في قوائم الرواتب، شمل موظفين وهميين يتقاضون أجوراً دون أداء أي عمل. وتشير تقديرات الحكومة المؤقتة إلى أن هذه القوائم تضم نحو 300 ألف موظف وهمي، وهو ما يجعل أي محاولة للإصلاح تصطدم بموجة احتجاجات، خاصة بعد اتخاذ قرارات بتسريح عدد من الموظفين، الأمر الذي أثار ردود فعل واسعة.
اقرأ/ي أيضاً: أحداث الساحل السوري.. اختبار حقيقي لالتزامات الحكومة الجديدة
ويضيف الرحال أن المَخرج الوحيد من هذه الأزمة يكمن في الدعم الخارجي والمساعدات الدولية، مشدداً على ضرورة العمل بالتوازي على رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد بشكل عاجل. ويلفت إلى أن الحديث عن حجم الديون الخارجية وتكلفة إعادة الإعمار يكشف عن أرقام مرعبة، وهو ما يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية دعم الاقتصاد السوري، سواء عبر الاستثمارات أو من خلال ودائع في البنك المركزي السوري.
بين الاستقرار السياسي والاقتصادي، تبرز أزمات معيشية خانقة تثقل كاهل السوريين. وبينما تستمر حالة الفوضى السياسية في البلاد، تصبح الحاجة ملحّة إلى وضع حلول اقتصادية عاجلة، دون الانشغال بالنقاش حول أولوية الاستقرار السياسي أو الاقتصادي. فالمواطن السوري اليوم يواجه أوضاعاً معيشية بالغة الصعوبة، وهو ما يفرض على الجهات المعنية اتخاذ إجراءات فورية تساهم في تخفيف معاناته.
عمار المعتوق- دمشق