في خضم النزاع المستمر منذ أكثر من عقد، تتحمل النساء السوريات أعباء الحرب والتهميش، حيث يواجهن انتهاكات جسيمة، مثل العنف الجنسي وزواج القاصرات، وسط غياب لضمان حقوقهن في مواد الإعلان الدستوري. وفي ظل محاولات إعادة صياغة مستقبل البلاد، تتجلى معاناة المرأة السورية بشكل متزايد.
تعيش المرأة السورية واقعاً صعباً بفعل استمرار النزاع وتداعياته، إذ يتفاقم العنف الممنهج والتمييز الهيكلي، مما يحدّ من مشاركتهن في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ورغم الجهود المحلية والدولية، تظل حقوق المرأة السورية على هامش أولويات عمليات السلام وإعادة الإعمار.
اقرأ/ي أيضاً: الاقتصاد السوري يرزح تحت وطأة الفوضى السياسية
وفي سياق المناقشات الدائرة حول مشروع الإعلان الدستوري السوري، تصاعدت انتقادات من منظمات حقوقية وناشطات تجاه إقصاء المرأة وغياب ضمانات المساواة الجندرية في النصوص المقترحة. ويشير مراقبون إلى أن الصياغة الحالية تُكرّس تهميش المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية، ما يعزز التمييز ضدها في مجتمع يعاني أصلاً من تداعيات الحرب والانقسامات.
غياب واضح لضمانات الحماية والتمثيل
مشروع الإعلان الدستوري، الذي تم التوقيع عليه مؤخراً، خلا من أي إشارة صريحة إلى حماية حقوق المرأة أو منع التمييز القائم على النوع الاجتماعي، كما لم يتضمن مواد تُلزم الدولة بضمان التمثيل العادل للنساء في المؤسسات التشريعية والتنفيذية.
ردود فعل ومطالب بالتعديل
ميس ريم الحنش، من فريق “السوريات من أجل السلام”، علّقت على الإعلان الدستوري السوري، مؤكدةً أن استمرار الأزمة لأكثر من عقد زاد من معاناة النساء، مما يستوجب دستوراً يُكرّس حقوقهن.
وأشارت إلى التحديات المستمرة، مثل إقصاء النساء من صياغة الدستور، والخشية من هيمنة تفسيرات أحادية للشريعة، بالإضافة إلى العادات المجتمعية والصورة النمطية التي يعززها الإعلام.
وأضافت الحنش أن الحرب نقلت القرار السياسي من صُنّاع السياسات إلى “حاملي البنادق”، مما أضعف قدرة النساء على المشاركة الفاعلة، رغم كونهن الأكثر تضرراً. لكنها أشادت بصمود السوريات في مواجهة القمع العسكري والهيمنة الفكرية، مؤكدة أن تحقيق السلام يتطلب ضمان حقوقهن في مختلف مجالات الحياة.
كما طالبت بضرورة إلغاء قانون الأحوال الشخصية التمييزي واستبداله بقانون أسرة عادل، إضافة إلى مراجعة المواد الدستورية المُعلن عنها مؤخرًا، لتضمين ضمانات تحمي حقوق المرأة وتضمن مشاركتها الفاعلة في إعادة الإعمار. وأكدت ضرورة إدراج مواد دستورية تُلزم الدولة بالمساواة الكاملة دون تمييز، والالتزام بالاتفاقيات الدولية مثل “السيداو” و”القرار 1325″.
ودعت الحنش إلى إضافة مادة تُلزم الدولة بتبني “الكوتا النسائية” في البرلمان والمجالس المحلية والمناصب القيادية، بحيث لا تقل نسبة التمثيل عن 30%، معتبرةً أن حقوق المرأة جزءٌ أساسي من بناء سلام مستدام.
من جهتها، حذرت زبيدة قبلاني، الناشطة السياسية والحاصلة على دبلوم في العلاقات الدولية والدبلوماسية، من تفاقم تهميش النساء السوريات في مواد الإعلان الدستوري، مشددةً على أن استمرار إقصائهن من المشاركة السياسية يهدد استقرار سوريا خلال مرحلة إعادة الإعمار.
وأكدت أن الحرب جعلت النساء “ضحايا مضاعفات”، نتيجة تعرضهن لانتهاكات منهجية، بدءًا من غياب الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وصولاً إلى تدهور الخدمات الصحية والتعليمية.
وأعربت قبلاني عن مخاوفها من سيناريوهات كارثية في حال استمرار الإقصاء، مؤكدةً أن المجتمع الدولي مطالب بربط الدعم المالي بمشاركة النساء. وختمت بالقول: “السلام لا يُبنى بإقصاء نصف المجتمع. تحويل النساء من ضحايا إلى فاعلات سياسيات هو الطريق الوحيد لإعادة الإعمار”.
إشراك المرأة في الحوار الوطني ومسارات المصالحة
في ختام حديثها، شددت قبلاني على أهمية إشراك المرأة في أي مفاوضات سياسية، مستذكرةً تجارب دول مثل كولومبيا ورواندا، حيث ساهم التمثيل النسائي في تعزيز استقرار اتفاقات السلام. واقترحت إنشاء منصات محلية تُتيح للمرأة التعبير عن مطالبها، مع تأهيل ناشطات للقيادة في المجال العام.
اقرأ/ي أيضاً: الإعلان الدستوري يُثير استياء أهالي السويداء ومحاميها
ورغم تحمل النساء السوريات وطأة النزوح والعنف، لا يزلن يُستبعدن من صناعة القرار وصياغة الدستور الجديد، في مشهدٍ يعكس إرثاً من التمييز القانوني والمجتمعي. وفي حين تُعد المرأة السورية ركيزةً في مواجهة الأزمات، فإن الإعلان الدستوري الحالي يُنظر إليه كخطوة إلى الوراء.
في ظل غياب الإرادة السياسية للإصلاح، يبقى مستقبل مشاركة المرأة رهناً بضغوط المجتمع المدني والدولي، لضمان عدالة دستورية تعيد لها الاعتبار كشريك أساسي في بناء الوطن، عبر تبني سياسات عادلة تحمي حقوقها وتعزز مكانتها.
تصرّ الناشطات على ضرورة إشراك النساء في جميع مراحل العملية السياسية، وسط دعوات ملحّة لإصلاحات جذرية. فالمشاركة الفاعلة للنساء السوريات ليست ترفًا، بل ضرورة لبناء سوريا جديدة، أكثر عدالة ومساواة.
نساء سوريا يصمدن اليوم في وجه الإقصاء ويطالبن بشراكة سياسية عادلة. فهل ستسمع الأطراف المعنية صوتهن، الذي يحمل آمالًا وأحلامًا تتجاوز صرخات الألم تحت الركام؟
حلب – لينا العلي