خلّف النزاع العسكري المستمر في سوريا منذ آذار/مارس 2011، الذي انخرطت فيه جهات سورية وغير سورية؛ سقوط مئات الآلاف من القتلى ومثلهم مختطفين ومعتقلين ودمار مدن بأكملها وتراجع الاقتصاد وهجرة الملايين من السوريين، في مشهد لم يتكرر منذ الحرب العالمية الثانية.
أرقام مخيفة عن نتائج الحرب السورية، فوفق آخر تقرير أصدره «المركز السوري لبحوث السياسات»، تظهر الدراسة إجمالي الخسائر الاقتصادية في سوريا خلال تسع سنوات من الحرب أكثر من 530 مليار دولار أميركي، كما تضرر 40 في المائة من البنية التحتية ما تسبب في خسارة حوالي 65 ملياراً، وبلغ معدل الفقر 86 في المائة بين السوريين البالغ عددهم حوالي 22 مليوناً.
ولعل المشهد الأكثر إيلاما؛ هو خروج أكثر من 13 مليون سوري من بيوتهم نازحين ولاجئين، في وقت يعيش 2.4 مليون طفل خارج المدارس داخل البلاد بحسب التقرير.
في ظل الاحصائيات آنفة الذكر، قام النظام السوري وروسيا بتنظيم “المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين”اللا 11 تشرين الثاني/نوفمبر على مدار يومين في دمشق، وقدّماه باعتباره وسيلة للمضي قدمًا في قضية اللاجئين والنازحين السوريين.
تسبب النهج العسكري الذي قاده النظام لمعالجة الأزمة في البلاد لخروج ملايين السوريين من بيوتهم وترجيحهم العيش في الملاجئ والمخيمات على العيش تحت القصف والدمار.
يستخدم النظام السوري ورقة اللاجئين والنازحين لغايات سياسية ولتعويم نفسه في ظل الفشل المدوي لسياساته في احتواء الأزمة.
في الوقت الذي تدعو كل من موسكو ودمشق اللاجئين السوريين بالعودة إلى بلدهم، تمارس دمشق سياسة المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين، حيث تمنع اساسيات الحياة اليومية عن نازحين ومهجرين سوريين يعيشون في مخيمات يعانون منذ سنوات تحت وطأة سلسلة من الظروف الصعبة.
والمثير للسخرية هو أن النظام يقترح إعادة 6.5 ملايين لاجئ مع أنه يمارس سياسة التجويع بحق مهجري عفرين وسكان مناطق الشهباء بريف حلب، وبحسب منظمة حقوق الإنسان في عفرين النظام السوري يمنع دخول المحروقات والمواد الغذائية وحليب الأطفال و الأدوية، مما أدى بأهالي عفرين والشهباء التظاهر أمام الحاجز الأمني من الفرقة الرابعة التابعة لمخابرات الجوية رافعين أوعية بلاستيكية مطالبين بالمحروقات لمجابهة فصل الشتاء والبرد القارس والأدوية الضرورية جراء انتشار فيروس كورونا وسط الأهالي وانعدام الرعاية الطبية ، وفقدان المواد الغذائية والطحين وحليب الأطفال”.
أوضاع اللاجئين في الدول المضيفة ليست بأفضل حال، في تركيا، يعاني اللاجئون المحتجزون في المخيمات من ظروف معيشية مأساوية. وحتى الذين يستطيعون مغادرة المخيمات ويحملون بطاقات الإقامة – التي تخوّلهم التنقل داخل المقاطعة التركية التي يعيشون فيها – يضطرون للخضوع لتدقيق أمني مطوّل وإجراءات روتينية عند التنقّل، مع الإشارة إلى أن الكثير من حاملي تلك البطاقات يرحَّلون إلى سوريا لأنهم لا يستطيعون تجديدها.
كما أن الذين يحاولون دخول تركيا من سوريا يواجهون ظروفًا قاسية مشابهة. فالجهود الهادفة إلى منع اللاجئين من دخول البلاد أدّت إلى مقتل 470 شخصًا على يد حرس الحدود التركي قبل حلول تشرين الأول/أكتوبر 2020، من بينهم 89 طفلاً دون سن الـ18 و59 امرأة. علاوةً على ذلك، لم تتوانَ تركيا عن تهديد الدول الأوروبية بفتح طرق الهجرة إلى أوروبا، مطالبةً بمساعدات كبيرة من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. كما أن تركيا تجنّد اللاجئين للقتال في النزاعات الخارجية في ليبيا ومؤخرًا في أذربيجان.
لا يمكن معالجة أزمة اللاجئين والنازحين بمعزل عن مسار الحل السياسي وتسوية الأزمة في البلاد، يجب أن تعمل الأطراف الدولية على ضمان راحة النازحين السوريين واللاجئين. ولا بد للمجتمع الدولي من الالتزام بعدم دعم إعادتهم إلا في سياق حل سياسي أوسع في سوريا، على أن يضمن هذا الحل عدم إخضاع العائدين لترتيبات ديمغرافية قسرية، مع ضمان سلامة النازحين واللاجئين.
بهزاد عمو -خاص إعلام مســد