سوريا، أرض الخير التي طالما احتضنت التنوع الثقافي والديني، تعيش اليوم مرحلة فارقة في تاريخها الحديث. فقد مرّت البلاد بسنوات طويلة من الصراع والدمار نتيجة حكم نظام الأسد الذي أسّس على مدى عقود لسياسات التفريق والانقسام، وزرع بذور الفتنة بين مكونات الشعب السوري. لكن اليوم، ومع تصاعد آمال الشعب السوري بتغيير حقيقي، يبدو أن الوقت قد حان لبناء سوريا جديدة، قائمة على أسسٍ من التسامح والمحبة والسلام.
التسامح: طريقنا نحو الشفاء الوطني
بعد سنوات من المعاناة والدماء، بات التسامح ضرورة لا غنى عنها لتحقيق الشفاء الوطني. التسامح لا يعني النسيان، بل هو استعداد لتجاوز الماضي المؤلم وتقديم الفرصة لجميع السوريين، بغض النظر عن خلفياتهم الطائفية أو السياسية، للعيش في سلام وتعاون. إن التسامح هو القوة التي تساعد على ترميم العلاقات بين أفراد المجتمع السوري الذين طالما عانوا من التفرقة والعداوة. من خلال التسامح، يمكن للمجتمع السوري أن يتجاوز الانقسامات ويبدأ في بناء جسور جديدة من الثقة والتفاهم.
المحبة: الأساس لبناء مجتمع متماسك
المحبة ليست مجرد إحساس عاطفي، بل هي العمل اليومي لبناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والمساواة. في سوريا الجديدة، يجب أن يكون الحب هو اللغة المشتركة بين جميع المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم. المحبة تعني الاعتراف بحقّ كل فرد في أن يعيش بكرامة وأمان، وأن يُحترم تنوعه الثقافي والديني. وهذا يتطلب تغييرًا جذرياً في التفكير، حيث يتم تجنّب الكراهية والعنف، ويُعزز التفهم والقبول.
السلام: الطريق الوحيد لمستقبل مزدهر
السلام ليس فقط غياب الحرب، بل هو حالة من الاستقرار والعدالة والمساواة. السلام هو البيئة التي تتيح للسوريين من جميع الأطياف التعبير عن أنفسهم بحرية، ويعيشوا حياتهم بعيدًا عن الخوف والتهديدات. إن سوريا التي تتطلع إليها الأجيال الجديدة هي سوريا القادرة على تحقيق التعايش بين مكوناتها المختلفة، حيث يُؤْمَنُ بحق الجميع في المشاركة في بناء المستقبل. إن السلام لا يتحقق فقط بالاتفاقات السياسية، بل يتحقق من خلال إعادة بناء الثقة بين الأفراد، وتعزيز ثقافة الحوار بدلاً من لغة السلاح.
الحوار: لغة المستقبل
لقد أثبتت التجارب التاريخية في العديد من البلدان أن لغة الحوار هي السبيل الأوحد لحل النزاعات. حان الوقت أن يتخلى السوريون عن لغة السلاح والتطرف، وأن يتبنوا الحوار كأداة أساسية لحل القضايا السياسية والاجتماعية. الحوار يفتح المجال لجميع الأطراف للجلوس معًا، مناقشة خلافاتهم، والتوصل إلى حلول مشتركة. في سوريا الجديدة، يجب أن تكون سياسة الحوار هي الأساس، حيث يشارك جميع الأطياف في بناء القرار الوطني، ويكون الحق في تقرير المصير للجميع، دون استثناء.
حق السوريين في تقرير مصيرهم
في النهاية، يجب أن يكون السوريون هم من يقررون مصير بلادهم. لقد عانى الشعب السوري من تدخلات خارجية وصراعات طاحنة جعلت من حقهم في تقرير مصيرهم مسألة غير واضحة. في سوريا الجديدة، يجب أن يكون القرار بيد الشعب السوري فقط، بعيداً عن أي ضغوط خارجية أو تدخلات غير مبررة. يجب أن تتم إعادة بناء سوريا على أسس من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، حيث يُحتَرم حق كل فرد في اختيار مستقبله والمساهمة في بناء وطنه.
الختام: نحو سوريا جديدة
إن المرحلة القادمة في سوريا تتطلب تحوّلًا جذريًا في أسلوب تعاملنا مع بعضنا البعض. لن يكون لدينا فرصة لبناء سوريا جديدة إلا من خلال تبني التسامح والمحبة والسلام كقيم أساسية. فلنترك السوريين يعيشون بسلام، يقررون مستقبل بلادهم بحرية وكرامة، ويبنون وطنًا يحتضن الجميع، بعيدًا عن العنف، والفرقة، والتدخّلات الخارجية.
د. محمود دحام عبد العزيز المسلط