بقلم: دالية حنان
تعرض المجتمع السوري بشكل عام، والمرأة السورية بشكل خاص، للظلم والاضطهاد تحت حكم النظام البعثي الاستبدادي والشوفيني. ورغم أن المرأة السورية تمتلك تاريخاً طويلاً من النضال والمقاومة ضد الأنظمة التي تعاقبت على حكم سوريا، بدءاً من الاحتلال العثماني وصولًا إلى مرحلة الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، فإن تضحياتها لم تحظَ بالتقدير الحقيقي بعد الاستقلال. تم تهميش دورها وحصره في مجالات محددة، وإقصاؤها عن مواقع صنع القرار، مما حال دون تحقيقها لأي دور فاعل في إعادة بناء البلاد.
لم تقتصر معاناة المرأة على الإقصاء السياسي فحسب، بل امتدت إلى القوانين التي ساهمت في تكريس عدم المساواة، مثل قوانين الأحوال الشخصية التي كرست السلطة الذكورية وجعلت المرأة خاضعة للعرف والتقاليد، بدلاً من أن تكون شريكة حقيقية في بناء المجتمع. كما أن البنية المجتمعية القائمة على التمييز حرمت المرأة من فرص متكافئة في التعليم والعمل، ما زاد من الفجوة بين الجنسين وكرّس عدم المساواة كواقع مفروض.
اقرأ/ي أيضاً: قسد والدور المحوري في مرحلة الانتقال السياسي لبناء سوريا الجديدة
إن التهميش المتعمد لدور المرأة من قبل النظام الحاكم، والاكتفاء بمنحها أدواراً شكلية، حال دون أن تكون عنصراً فاعلاً في تطوير المجتمع والمشاركة في صنع القرار، مما أدى إلى نشوء مجتمع هشٍّ غير قادر على حماية نفسه أو تحقيق تطوره. لكن على الرغم من هذه السياسات المجحفة، لم تستسلم المرأة السورية، بل استمرت في البحث عن طرق لإثبات ذاتها وكسر القيود المفروضة عليها.
مع انطلاق الثورة السورية، رأت المرأة في الحراك الشعبي فرصةً لتغيير واقعها وتعزيز دورها المجتمعي. فمنذ اللحظات الأولى للثورة، شاركت النساء بقوة في الاحتجاجات والمظاهرات المطالبة بإسقاط النظام وتحقيق انتقال سياسي عادل يضمن حقوق جميع مكونات المجتمع. كما ساهمن في تنظيم الندوات والورش التوعوية والفكرية لتعزيز دورهن. لكن سرعان ما انحرفت الثورة عن مسارها السلمي، وتحولت إلى صراع عسكري بتدخل أجندات خارجية، ما أدى إلى تفاقم معاناة المرأة السورية التي وجدت نفسها ضحية الحرب بكل تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
إلى جانب ذلك، أدت موجات النزوح والهجرة إلى إثقال كاهل المرأة، حيث أصبحت هي المعيل الأساسي للأسرة في العديد من الحالات بسبب فقدان الرجال في النزاعات المسلحة أو اعتقالهم. كما تعرضت للعنف والاعتقال والاختفاء القسري والتمييز الممنهج، خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، حيث أجبرتها القبضة الأمنية على تقليص مشاركتها في الحياة العامة. ومع ظهور تنظيم داعش في بعض المناطق السورية، ازدادت معاناة المرأة، حيث فرضت عليها قوانين مجحفة تحت ستار الدين، لتجد نفسها تعيش في ظلام القهر والاستعباد.
أصبحت المرأة في ظل الحرب ضحية للانتهاكات الممنهجة من قبل جميع الأطراف المتصارعة، حيث تعرضت للعنف الجسدي والنفسي، والزواج القسري، والاتجار بالبشر. كما دفعها النزاع إلى العمل في بيئات غير آمنة ومجحفة بحقوقها، مما أدى إلى انتشار حالات الاستغلال الاقتصادي والجسدي ضدها. ورغم ذلك، فقد واصلت المرأة نضالها من أجل استعادة حقوقها والدفاع عن كرامتها، متحدية كل العوائق الاجتماعية والسياسية والأمنية.
لكن وضع المرأة السورية لم يكن موحدًا في جميع المناطق. ففي مناطق الإدارة الذاتية، أظهرت المرأة قدرتها على تنظيم نفسها والمجتمع، حيث برزت المرأة الكردية في الطليعة، وتبعتها النساء العربيات والسريانيات والآشوريات والتركمانيات، ما عزز حضور المرأة ودورها الفاعل في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والعسكرية. وكان من أبرز محطات هذا النضال تشكيل وحدات حماية المرأة، التي أثبتت جدارتها في جبهات القتال ضد التنظيمات الإرهابية، وساهمت في استعادة الأمن والاستقرار في المنطقة.
اقرأ/ي أيضاً: وحدة في التنوع.. نموذج شمال وشرق سوريا في التعايش المشترك
علاوة على ذلك، تمكنت المرأة من الوصول إلى مواقع القيادة والمشاركة المتساوية مع الرجل في جميع هياكل ومؤسسات الإدارة الذاتية، ما منحها دورًا رئيسيًا في صنع القرار. إلا أن المرأة في المناطق الخاضعة للاحتلال التركي والجماعات المسلحة المدعومة من أنقرة ما زالت تعاني من العنف والقتل والاغتصاب بشكل يومي، حيث تسجل تقارير حقوقية العديد من الانتهاكات ضد النساء في هذه المناطق، بما في ذلك عمليات الخطف والإخفاء القسري والزواج القسري.
إن استمرار هذه الانتهاكات يؤكد الحاجة إلى توحيد الجهود بين النساء السوريات في مختلف المناطق، والعمل على تعزيز دور المرأة في بناء مستقبل سوريا، بعيدًا عن أي تمييز أو تهميش. تحتاج النساء إلى تعزيز الوعي بحقوقهن والمطالبة بتمثيل عادل في كافة المؤسسات، خاصة في المفاوضات المتعلقة بمستقبل البلاد، لضمان تحقيق العدالة والمساواة.
لذلك، يتطلب الواقع الحالي تكاتف الجهود النسائية على مستوى سوريا، وتوحيد الرؤى لمواجهة الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة السورية في مختلف المناطق. إن مشاركة المرأة في بناء سوريا الجديدة ليست مجرد مطلب، بل ضرورة لا غنى عنها، فأي عملية تغيير أو انتقال سياسي لن تكتمل دون ضمان المواطنة المتساوية للمرأة ودورها الفاعل، وإلا فإن البلاد ستظل عالقة في دوامة عدم الاستقرار.