لا شك أن الحدث السوري، بطبيعته التي تشكلت في ظل حكم نظام الأسد وحزب البعث، يفرض مساراً مليئاً بالتحديات عقب سقوط النظام السابق. وهذه التحديات لا تقتصر على الجوانب السياسية أو الاقتصادية، بل تمتد إلى ما هو أعمق في مسار بناء دولة ديمقراطية تعددية لا مركزية. كما أن قضايا الأمن والخدمات العامة تمثل بدورها تحدياً خاصاً، لا سيما في ظل حاجة المجتمع السوري الماسة إلى إشراك جميع مكوناته، وإعادة بناء السلم الأهلي، ومنع تكرار مشاهد الاقتتال الطائفي التي هيمنت سابقاً على المشهد السوري. بين هذا وذاك، يبدو أن لا مخرج من أزمات السوريين إلا عبر الانتقال الديمقراطي بمفاهيمه الشاملة، باعتباره الطريق إلى سوريا الجديدة التي ينشدها الشعب.
واقعياً، تحكم عملية الانتقال الديمقراطي مقومات ترتبط بالممارسة الفعلية للديمقراطية، وهو ما يستدعي وجود نظام سياسي قادر على تبني الخيار الديمقراطي بمعناه الواسع، من خلال الاعتماد على المؤسسات السياسية والتيارات الوطنية، إلى جانب المؤسسات ذات الصلة بالمسارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. من دون هذا الإطار، يصعب تصور استقرار الواقع السوري أو بناء معارضة ديمقراطية قوية. فمثل هذا البناء هو ما يؤسس فعلياً لمعادلة سياسية تكون فاعلة في إرساء عملية الانتقال الديمقراطي.
عناصر تدعم عملية الانتقال الديمقراطي في سوريا
عند الحديث عن الانتقال الديمقراطي، فإننا لا نتناول مصطلحاً للاستهلاك الإعلامي، بل نتعامل مع واقع يفرض على السوريين تبني ثقافة سياسية يكون جوهرها الديمقراطية الحقيقية.
اقرأ/ي أيضاً: ذكرى الثورة السورية.. تحديات المرحلة الانتقالية وآمال المستقبل
يؤكد الدكتور توفيق سكر، عضو منظمة “النبض السوري” في دمشق، أن حالة التصحر السياسي التي فرضها النظام السابق أثّرت سلباً على قدرة المواطن السوري في فهم آليات العمل السياسي الضرورية للوصول إلى الانتقال الديمقراطي. ويقول: “لنجاح عملية الانتقال الديمقراطي، حرصت منظمة النبض السوري، وهي إحدى منظمات المجتمع المدني التي انطلقت عقب سقوط نظام الأسد، على تبني مسار يهدف إلى تنمية الوعي السياسي لدى السوريين. وقد لمسنا تجاوباً واضحاً من مختلف فئات الشعب حيال ضرورة الانخراط في العمل السياسي وطرح رؤى تتماشى مع الواقع السوري الجديد”. ويضيف: “من أهم الثوابت في مسار الانتقال الديمقراطي أن يشارك الشعب السوري بكل مكوناته دون استثناء في العملية السياسية، سواء عبر صياغة دستور جديد أو من خلال المشاركة الفعلية في تشكيل الحكومة، وصولاً إلى عقد مؤتمر وطني عام يُبنى على رغبات السوريين وتطلعاتهم”.
ويتابع الدكتور توفيق قائلاً: “ندرك أن هذا المسار ليس سهلاً، لكننا نسير في الاتجاه الصحيح. اليوم، باتت غالبية السوريين قادرة على خوض النقاش السياسي المرتبط بمستقبلهم ومستقبل وطنهم، وهذا بحد ذاته يمثل بداية حقيقية للتحول الديمقراطي. وعلى الإدارة الجديدة أن تتفادى تكرار الخطيئة السياسية التي ارتكبها النظام السابق والمتمثلة في تهميش المواطنين وإقصائهم عن حقهم في الممارسة السياسية، إذ ليس من الحكمة تهميش مكونات المجتمع بعد سقوط النظام الشمولي. هذا الأساس يقع في صميم التحول الديمقراطي”.
ويختم بالقول: “نحن اليوم أمام مرحلة انتقالية حاسمة لإعادة بناء الدولة الوطنية السورية بعد عقود من الاستبداد، ولا يمكن تصور سوريا الجديدة دون شراكة سياسية حقيقية تشمل جميع المكونات دون استثناء، ولا دون تفعيل عملية التحول الديمقراطي”.
التحول الديمقراطي يمنع نشوء نظام الاستبداد
يرى إسماعيل الحركي، عضو تيار “سورية الحرة”، أن المرحلة الانتقالية يجب أن تُشكّل أرضية صلبة لإرساء أسس النظام السياسي الجديد، وأن تكون عاملاً حاسماً في تجاوز تركة الاستبداد الأسدي الذي قيّد السوريين لعقود. ويشدد على ضرورة اعتماد مقومات الانتقال الديمقراطي القائمة على مبادئ المشاركة الشعبية، واحترام حقوق المواطن، وضمان الحريات، وصون التعددية السياسية والثقافية والدينية والمذهبية في المجتمع السوري.
اقرأ/ي أيضاً: الحراك السياسي في دمشق دون مستوى التوقعات.. رؤى سياسية
ويقول الحركي: “الانتقال الديمقراطي يعني التحرر من البنية التي قام عليها نظام الأسد، واستبدالها بأسس جديدة تُمكّن من بناء نظام ديمقراطي حقيقي. نحن اليوم أمام مرحلة مفصلية في تاريخ الدولة السورية، مرحلة بناء دولة ديمقراطية”. ويضيف:
“بتطبيق الانتقال الديمقراطي وتثبيت أسس سياسية سليمة وواضحة، يمكن قطع الطريق أمام أية قوى داخلية أو خارجية تسعى لاستغلال الوضع السياسي السوري لإعادة إنتاج نظام استبدادي. هذا ما يجب أن تعيه الإدارة الجديدة وتدركه بعمق، إذ إن الانتقال الديمقراطي هو الضامن الحقيقي لحقوق السوريين بكل مكوناتهم، وهو ما خرجوا من أجله منذ أكثر من أربعة عشر عاماً، ولا شك أن السوريين سيواصلون نضالهم السياسي من أجل تحقيق هذا الهدف، وصولاً إلى سورية ديمقراطية تعددية لا مركزية”.
لا جدال في أن الواقع السوري وتعقيدات المرحلة الانتقالية، يفرضان على الإدارة الجديدة اعتماد نهج سياسي عقلاني يقوم على إشراك جميع مكونات الشعب السوري، بمختلف قواه وتياراته السياسية، بما في ذلك الأحزاب، والمنظمات غير الحكومية، والاتحادات، والنخب الفكرية والأكاديمية، في رسم المسارات السياسية لما بعد الأسد. فالشرط الأساسي لنجاح عملية الانتقال الديمقراطي يكمن في الالتزام بالديمقراطية بمفهومها الشامل، والوصول إلى السلطة عبر انتخابات حرّة ونزيهة، وهذا هو ما يطالب به السوريون، أملاً في الوصول إلى سوريا جديدة تتأسس على مبادئ الديمقراطية والتعددية واللامركزية، كما ترتضيها الغالبية الساحقة من أبناء هذا الوطن.
عمار المعتوق-دمشق