أكدت شيرا أوسي، عضوة الهيئة الرئاسية لمجلس سوريا الديمقراطية، أن صياغة أي دستور سوري جديد دون مشاركة نسائية فاعلة وشراكة متساوية في صناعة القرار يُعدّ انتقاصاً جوهرياً من العدالة ومن صورة الدولة المستقبلية التي يفترض أن تمثل جميع مكوناتها. وشددت على أن تغييب النساء عن مسارات كتابة الدستور يؤدي إلى إنتاج وثائق قانونية مشوّهة، تخلو من البُعد الاجتماعي الحقيقي ولا تعكس تجارب نصف المجتمع، وخاصة ما يتعلق بالعنف السياسي والأسري، والتمييز القانوني، والحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وقالت إن الدساتير التي تُكتب “بعين ذكورية” تتجاهل السياقات الحياتية والمعاناة اليومية للنساء، سواء في المعتقلات، أو في مخيمات النزوح، أو في مواقع الصمود، مشيرة إلى أن هذه الوثائق تفتقر إلى الذاكرة المجتمعية الحقيقية، وتُنتج نصوصاً قانونية خالية من روح العدالة أو الإنصاف.
و أوضحت أن النساء السوريات لا تبحثن عن تمثيل رمزي أو حصص شكلية تُدرج تحت مسمى الكوتا، بل تناضلن من أجل استحقاقات دستورية كاملة كفلتها التضحيات التي قُدمت في مختلف مراحل الثورة والمعاناة الوطنية. وأكدت أن أي دستور جديد يجب أن ينص صراحة على مبدأ المساواة الكاملة وغير المشروطة بين الجنسين، بما يشمل ضمان تمثيل نسائي متكافئ بنسبة 50% في جميع مواقع السلطة والمؤسسات الوطنية، وذلك من خلال قوانين ملزمة وآليات تنفيذية مستقلة.
ودعت إلى تضمين نصوص صريحة تُجرّم كافة أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، مع ضرورة تأمين آليات فعالة ومستقلة لتطبيقها، إلى جانب إدراج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء ضمن أولويات السياسات التنموية، بعيداً عن الحلول الهامشية أو الإجرائية.
وعن واقع تمثيل النساء في مسارات العملية الدستورية الجارية، أعربت عضوة الهيئة الرئاسية في مسد عن أسفها من الطابع الذكوري للمشهد السياسي السوري، حيث تستأثر أحزاب وقوى تقليدية بصياغة القرار على حساب النساء. إلا أنها أكدت أن النساء لا ينتظرن التفويض أو الإذن، بل يعملن على تشكيل تحالف وطني نسوي واسع يضمن تمثيلاً نسائياً متكافئاً في لجان الصياغة والقرار.
وفي هذا السياق، شددت على ضرورة تسمية الإقصاء السياسي للنساء بشكل صريح، والتوجه نحو المجتمع الدولي لمراقبة مدى التزام أي مسار دستوري قادم بمعايير المساواة الفعلية. وقالت في هذا الصدد: “لن نرضى أن نكون ملاحظة في الهامش، بل صوتاً رئيسياً في صياغة سوريا الجديدة”.
ورغم الانقسامات السياسية و القومية في سوريا، أثنت أوسي على قدرة الحركة النسوية السورية على تجاوز هذه الحواجز وتوحيد جهودها حول أولوية حقوق النساء، مؤكدة أن هذا الحراك النسوي بات يحمل خطاباً وطنياً جامعاً، لا يرتبط بمحاور سياسية أو مصالح فئوية، بل يعكس حاجة سوريا العميقة إلى دولة لا تهمش أحداً.
كما دعت إلى الربط الجَدي بين النصوص الدستورية وبين آليات التنفيذ الفعلي، مشددة على أن “القوانين دون تطبيق تُشبه الثورة بلا عدالة”، وأن العدالة الجندرية لا تتحقق إلا بسياسات واضحة، وموازنات عادلة، وأجهزة رقابة مستقلة تُلزم الجميع بالمساءلة.
وفي انتقاد للوثائق السياسية والدستورية الصادرة عن الحكومة المؤقتة، اعتبرت أن التمثيل النسائي في تلك الوثائق كان شكلياً وانتقائياً، وأن النساء لم يُشاركن فعلياً في صياغتها، بل تم التعامل مع قضاياهن من منطلق تعاطفي لا يستند إلى رؤية جادة أو إلى احترام التضحيات الكبيرة التي قدمتها النساء في سياقات الثورة والنزوح والمقاومة.
وختمت حديثها بالتأكيد على أن بناء سوريا ديمقراطية حقيقية يتطلب مشاركة كاملة للنساء في صياغة العقد الاجتماعي الجديد، قائلة: “لن نقبل أن نكون على هامش القرار، بل في صُلبه، لأن سوريا المستقبل لا تُبنى بنصف شعب”.