في مثل هذا اليوم الـ 9 من تشرين الأول/أكتوبر عام 2019، شنت تركيا وفصائل “الجيش الوطني” الموالية لها، هجوماً برّياً وجوّياً على مدينة رأس العين/سري كانيه في منطقة الجزيرة، ومدينة تل أبيض/كري سبي في منطقة الرقة، واحتلوهما، ليبدأ مسلسل الجرائم التي لم تنتهِ منذ خمس سنوات ولا تزال مستمرة إلى الآن.
إن النظام التركي، ومنذ بداية الأزمة السورية، تدخّل في شؤونها عبر تسليح المظاهرات وفتح حدودها أمام دخول “الإرهابيين” من مختلف أصقاع العالم إلى سوريا، وأراد أن يُسقط السلطة في دمشق وينصب جماعات الإسلام السياسي في هرم السلطة، ولكن هذا المخطط فشل فتدخّلت تركيا بنفسها واحتلت الأراضي السورية صيف عام 2016 بدءا من جرابلس والباب وإعزاز، وذلك عبر صفقة مع روسيا تضمنت انسحاب الفصائل من حلب وتسليمها لروسيا والسلطة في دمشق.
وبعدها وبصفقة مشابهة، أفرغت غوطة دمشق من المسلحين مقابل فتح الطريق أمامها لاحتلال عفرين مطلع عام 2018، وبعد أن قضت قوات سوريا الديمقراطية على “داعش” جغرافياً في آذار/ مارس 2019، بدأت تركيا تهدد بشنّ هجمات جديدة على شمال وشرق سوريا، وفي صفقة جديدة، انسحب الجيش الأميركي من المنطقة الحدودية الممتدة من مدينة رأس العين/سري كانيه حتى مدينة تل أبيض/كري سبي، وبذلك فتح الطريق للهجوم التركي على المدينتين في 9 تشرين الأول/أكتوبر عام 2019، واحتلالهما.
وفي هذا السياق يقول حمدان العبد، نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية، إن هذا الاحتلال يعبّر عن المحاولات التركية لاستعادة أمجاد العثمانيين بحجج وذرائع مختلفة، مشيراً أن استهداف منطقةٍ تضمن العرب والكُرد والأرمن والشركس، يوضح طبيعة الأهداف الشاملة للاحتلال.
اقرأ/ي أيضاً: بين أزمات المعيشة ومشاريع التجميل.. أين تذهب أموال السوريين؟
ومن جانبه أكد كديم العيدان، الرئيس المشترك لمجلس الشعوب في مقاطعة الرقة، أن ذلك العدوان لم يكن وليد اللحظة بل نتيجة لسياسات تركيا الاستعمارية التي تمتد لأكثر من 400 عام. مشيراً أن السياسة الساعية لإبادة الكُرد واحتلال الأراضي العربية تستمر منذ الحكم العثماني وحتى الآن.
لافتاً أن الهجوم تزامن مع تطلعات الشعوب نحو الحرية والكرامة، وقال: “تحول نظام أردوغان إلى أداة لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وقد سعت تركيا إلى استغلال الأزمات السياسية لتبرير تدخّلاتها العسكرية، متجاهلة الحقوق المشروعة للشعوب”.
تركيا وفصائلها يرتكبون جرائم حرب
خلال الهجمات التركية على مدينة رأس العين/ سري كانيه وحتى الآن، فَقَد أكثر من 79 شخصاً من أبناء المدينة حياتهم وتجاوز عدد المصابين 229 شخصاً وفق آخر إحصائية لمركز توثيق الانتهاكات، كما تم إعدام 11 شخصاً ميدانياً.
وفي تل أبيض/ كري سبي، فَقَد أكثر من 75 شخصاً حياتهم وتجاوز عدد المصابين 220 شخصاً، فيما تم إعدام 8 أشخاص ميدانياً من قبل الجيش التركي والفصائل السورية الموالية له.
تهجير أكثر من 250 ألف نسمة
خلال الهجمات ولاحقاً تم تهجير أكثر من 150 ألف شخص من مدينة رأس العين/ سري كانيه وأكثر من 100 ألف من تل أبيض/ كري سبي، وتوجّه مهجّرو رأس العين إلى منطقة الجزيرة، وسكن أكثر من 30 ألف شخص منهم في مخيمي “سري كانيه وواشوكاني” في ريف الحسكة، فيما توزّع البقية في مدن المنطقة. وفي تل أبيض قَطَن 7 آلاف شخص مخيم كري سبي فيما توزّع البقية في عين عيسى والطبقة والرقة.
“نقاوم في المخيمات”
وفي هذا السياق، يقول المهجّر من مدينة رأس العين، محمد حسين درويش القاطن في مخيم سريه كانيه بريف الحسكة: “بعد تهجيرنا، سكّنا المخيم. إن العيش ضمن المخيمات هو مقاومة بحدّ ذاتها، وسنستمر بالمقاومة حتى تحرير مدينتنا والعودة إليها”.
المنظمات لا تقدم الدعم للمهجرين
يعاني المهجّرون في المخيمات من قلة تقديم الدعم لهم، حيث أكد عبد الرزاق محمد، الرئيس المشترك لمجلس إدارة مخيم سريه كانيه، أن المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لم تعترف بشكل رسمي بهذا المخيم، ولا يتم تقديم الدعم له من قبل المنظمات أيضاً.
اقرأ/ي أيضاً: “هيئة تحرير الشام”.. قمع وانتهاكات مستمرة في شمال سوريا
وتساءل محمد: لماذا يتم تقديم الدعم للكثير من المخيمات في سوريا ولكن لا يتم تقديم الدعم للمهجّرين من رأس العين/ سري كانيه. ما هي أسباب ومبررات تلك المنظمات في عدم تقديم الدعم؟ المنظمات ترفع شعارات وتدّعي الإنسانية والعمل من أجل حقوق الإنسان والعدالة، ولكن تلك الادعاءات والشعارات تتكشف حقيقتها في تعاملها مع مهجّري رأس العين/ سري كانيه.
مئات المختطفين والمغيبين
منذ احتلال المدينتَين لم تتوقف انتهاكات وجرائم فصائل “الجيش الوطني” وبأوامر من الجيش التركي، بحق أهالي المدينتَين، حيث اختطفت تلك الأطراف أكثر من 420 شخصاً بينهم 49 امرأة و15 طفلاً من مدينة رأس العين/ سري كانيه، كما تم إخفاء 167 مواطناً قسراً، وتعذيبهم، منهم 115 تم نقلهم للمحاكمة في تركيا ومازالوا معتقلين في سجونها.
وفي تل أبيض/ كري سبي تجاوز عدد المختطفين 205 شخصاً بينهم 7 نساء و12 طفلاً، 89 على الأقل تم اخفائهم قسراً، وتعذيبهم، منهم 26 تم نقلهم للمحاكمة في تركيا وما زالوا معتقلين في سجونها.
استيلاء على الممتلكات وعمليات توطين واسعة
رافق عمليات التهجير والانتهاكات، عملية تغيير ديمغرافي وتوطين واسعة، حيث تم توطين 2058 عائلة في رأس العين/ سري كانيه، إلى جانب توطين أكثر من 70 عائلة من عوائل تنظيم “داعش” بعد الاستيلاء على أكثر من 5549 منزل سكني، و1325 محل تجاري وصناعي و44 معمل ومنشأة صناعية، وإفراغ 60 قرية من سكانها الأصليين، والاستيلاء على أكثر من مليون ونصف دونم (150 ألف هكتار) من الأراضي الزراعية.
وفي مدينة تل أبيض/ كري سبي، جرى توطين 1849 عائلة في منازل المهجّرين من أبناء المدينة، بعد أن تم الاستيلاء على أكثر من 5171 منزل سكني، و1180 محل تجاري وصناعي و12 معمل ومنشأة صناعية، وإفراغ 64 قرية من سكانها الأصليين، والاستيلاء على أكثر من مليون ونصف دونم (150 ألف هكتار) من الأراضي الزراعية.
على المجتمع الدولي عدم السكوت عن جرائم تركيا
يقول كديم العيدان، إن الخسائر التي تكبّدتها مناطق رأس العين/ سري كانيه وتل أبيض/ كري سبي، كانت فادحة، وأضاف: “المعاناة الإنسانية التي تعرّض لها الشعب خلال هذا الاحتلال كانت قاسية”، داعياً المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان إلى عدم السكوت على هذه الجرائم، ومحاسبة الدولة التركية على اعتداءاتها المتكررة على حقوق الشعوب المشروعة.
فيما أكد حمدان العبد، أن جميع الانتهاكات التي تُمارس ضد أهالي تل أبيض/ كري سبي ورأس العين/ سري كانيه وعفرين، تُعتبر جرائم ضد الإنسانية، كما أكدت عليها التقارير الدولية.
تأكيد على مواصلة النضال
أكد كديم العيدان، على ضرورة المقاومة والتضامن الوطني في مواجهة الاحتلال، وقال: “سنواصل الكفاح حتى تحرير أراضينا واستعادة حقوقنا، متمسكين بقيم الحرية والعدالة التي نناضل من أجلها”.
فيما أكد حمدان العبد أنه في هذه الظروف، يتطلب الأمر توحيد الصفوف وتنسيق الجهود من أجل إنهاء كافة الانتهاكات على الأراضي السورية، مع ضرورة الضغط المستمر على المجتمع الدولي، وخاصة الأمم المتحدة، للتدخّل ووقف الجرائم المرتكبة.
وقال في ختام حديثه: “على الجميع التحلي بالوعي والالتفاف حول كلمة واحدة لمقاومة هذه الاحتلالات والتأكيد على حق الشعوب في الدفاع عن أراضيها. إن وحدتنا والتزامنا بالمقاومة هو السبيل للحفاظ على هويتنا وحقوقنا في وجه الاحتلال والاضطهاد”.
الحسكة – الرقة / جودي علي – روزا عبود
