في خضم حالة تكريس الفوضى من جهات يُفترض أن تكون سبباً في تعزيز حالة الاستقرار وفرض الأمن والأمان، إلا أن الواقع الذي يؤطر حياة السوريين بات اليوم مُفعماً بحالات من الخوف والرعب جراء ممارسات تتخطى في حدودها القانون. وأي قانون هذا الذي يجب أن يكون عامل استقرار وضمان للحقوق، في ظل حالة من الفوضى تقوم بها الفرقة الرابعة. هذه الجهة التي يُفترض أن تعمل على تعزيز استقرار السوريين لكنها اليوم باتت تشكل خطراً حقيقياً على كل السوريين دون استثناء. وهنا لا نتحدث من منطق الحقد على ممارسات الفرقة الرابعة وما تفعله تجاه السوريين، لكن نتحدث عن واقع بات من الضروري أن يتم تغييره بشتى الوسائل، وهذا ما نقوم به من خلال إحاطتنا بالوقائع التي تفرضها الفرقة الرابعة في مناطق سيطرة السلطة.
ما يحدث في محافظة حماه من ممارسات تقوم بها الفرقة الرابعة لا يمكن اختزاله ببضعة أسطر، لكن الإضاءة على بعض تلك الممارسات كفيلة بقراءتها بغية معرفة ما يعانيه السوريون. من تلك الممارسات سرقة سيارات المدنيين سواء من داخل مناطق السلطة وتحديداً من المناطق الأكثر نفوذاً للفرقة الرابعة، أو تلك الواردة من مناطق خارج سيطرة السلطة لكنها تصل إلى الفرقة الرابعة عبر وسطاء ومتعاونين تحت عنوان “سيارات واردة”. هذه السيارات الواردة تدخل إلى مناطق السلطة بطرق غير قانونية، ولا يتم تسجيلها في مديرية المواصلات، لكن الفرقة الرابعة تقوم بتزوير شهادات المنشأ لتلك السيارات الواردة، فضلاً عن تزوير أوراق السيارة، لتأتي الكارثة لاحقاً.
اغتصاب القانون وترهيب السوريين
إذاً فقد بات مصطلح السيارات الواردة متداولاً لدى السوريين، لكنه مصطلح جلب للبعض ملاحقات أمنية لا يمكن الفكاك منها، ولابد من القول بأن السيارات الواردة تحمل مواصفات خاصة من حيث الرفاهية ومواصفات السيارة، وتختلف كلياً عن السيارات المتواجدة في مناطق السلطة، وهذا ما يُغري البعض بالسعي إلى امتلاكها، وربما المتاجرة بها. ما سبق ليس نسجاً من الخيال، بل هو مشهد واقعي يتكرر في مدينة حماه وريفها، خاصة أنه في الآونة الأخيرة كثرت تلك الحالات المتعلقة بشراء سيارات لا تخصيص لها أو لا قيود مسجلة لها في مديرية المواصلات.
اقرأ/ي أيضاً: الطلاب في مناطق سيطرة السلطة والمستقبل المجهول
أحد أصحاب مكاتب بيع وشراء السيارات في مدينة حماه رفض التصريح عن اسمه، أخبرنا بحقيقة ما تقوم به الفرقة الرابعة لجهة بيع سيارات بعقد مزور، والأمر لا يقتصر على العقد المزور، بل ثمة شبكة تتعاون مع مكاتب السيارات التي يديرها عناصر يعملون لصالح الفرقة الرابعة، حيث أن هذه الشبكة تعمل في مديرية المواصلات ولجنة الكشف الفني على السيارة لتثبيت مواصفاتها للشاري، وصولاً إلى تزوير بيانات السيارة سواء الواردة أو التي سُرقت من إحدى مناطق نفوذ الفرقة الرابعة، وعند الحديث عن السيارات الواردة فهنا نتحدث إما عن السيارات التي ترد من إدلب والتي تحمل مواصفات أوروبية، أو تلك التي يتم سرقتها في لبنان وإدخالها إلى سورية عبر الفرقة الرابعة، وكلتا الحالتين لا يتم كشفها إلا بعد أن يتم الشراء، خاصة أن تلك السيارات سواء المسروقة أو الواردة تحمل رقم شاسيه خاص بها، لكن عند توقيف السيارة من قبل دوريات المرور وتفتيشها، يتم اكتشاف أنها مسروقة وهنا تبدأ الحكاية.
المصدر السابق قال لنا، ثمة مكاتب كثيرة تم افتتاحها مؤخراً في مدينة حماه وريفها، ونحن كأصحاب مكاتب نتواصل مع جميع مكاتب السيارات للتعاون واقتسام ما يُعرف بالكمسيون، وذات مرة تواصل معي أحدهم من مكتب في مدينة سلحب في ريف حماه، وقال لي أن هناك سيارة بمواصفات مميزة نوعها BMW، وفعلاً اتفقنا على سعر السيارة حتى طرحها على الراغبين وتأمين الشاري، وقمت بدوري بوضع مواصفات عند أصحاب المكاتب للإسراع في بيعها.
يضيف المصدر، بعد وقت قصير تم تأمين الشاري والذي يعمل في إحدى دول الخليج ويريد سيارة بمواصفات عالية، وعند الاجتماع لمعاينة السيارة تم الاتفاق على الشراء ودفع الشاري الرعبون وتم الاتفاق على دفع كامل مبلغ السيارة الذي وصل إلى 280 مليون ليرة سورية بعد الفراغ الكامل. في هذه المرحلة دفع الشاري رعبوناً قدره 75 مليون ليرة سورية، وقد تكفل مكتب سلحب بالسير في المعاملة حتى إتمامها وإتمام إجراءات نقل السيارة وفراغها باسم الشاري الجديد.
وفعلاً يقول المصدر فقد تمت كافة الإجراءات القانونية الخاصة بالسيارة، وكانت كل الأوراق الخاصة بالسيارة ممهورة بكافة الأختام والتواقيع الرسمية، وبقي أن يذهب الشاري إلى مديرية المواصلات لدفع ما تبقى من قيمة السيارة إلى مكتب سلحب وفعلاً تم البيع والشراء.
لكن بعد مدة لا تتجاوز الأسبوعين تواصل معي فرع الأمن الجنائي في حماه وطلبني لزيارة الفرع لبعض الاستفسارات، وعندما دخلت إلى مكتب ضابط البحث الجنائي تفاجأت بالشاري يهاجمني ويتهمني بالنصب والاحتيال عليه، وما أنقذني من هذا الأمر أنني أولاً كنت وسيطاً، وثانياً أن الأوراق التي كانت معها والتي تتضمن عقد البيع والشراء نظامية مئة بالمئة، لأكتشف لاحقاً أن السيارة سُرقت من لبنان، وبها بحث واستحضار، والكارثة أن مكتب سلحب تم إغلاقه بعد بيع السيارة المسروقة، وصاحب المكتب رغم اسمه الصريح إلا أن ملاحقته الأمنية غير ممكنة لأنه يعمل في مكتب أمن الفرقة الرابعة وتحت حماية ضابط أمن الفرقة الرابعة.
“للقصة تفاصيل كثيرة مرتبطة بأفراد يعملون في هيئة الكشف عن مواصفات السيارة ومديرية المواصلات وتزوير عقود البيع والشراء، لكن لا مجال لذكرها لكن سيتم تفنيدها في مواد قادمة”
سيارات مسروقة من مناطق سيطرة السلطة
في المقلب الآخر فإن هناك سيارات كثيرة يتم سرقتها من مناطق سيطرة السلطة، ويتم العبث بنمرة السيارة وتتكفل الشبكة المرتبطة بالفرقة الرابعة والتي تنتشر في مديريات المواصلات بكل الإجراءات حتى يتم بيع السيارة أو أقل تقدير الاستحواذ على الرعبون. وهذا ما أخبرنا به أيضاً صاحب أحد مكاتب السيارات في مدينة حماه حيث قال: حالات كثيرة تم اكتشافها لسيارات مسروقة من دمشق أو حمص أو حلب، ويتم بيعها في مدينة حماه وغيرها من المناطق، وعند إتمام إجراءات التحقيق يتم اكتشاف أن السارق يعمل في الفرقة الرابعة، والمسؤول عن طمس معالم السيارة أو مواصفاتها أيضاً الفرقة الرابعة، وفي هذه الحالات يتم القبض على الحلقة الأضعف في هذه السلسلة وتحميله المسؤولية.
اقرأ/ي أيضاً: جريمة دون بصمات واضحة.. حرائق الساحل السوري وجراح السوريين
المصدر السابق أخبرنا بأن واقع السيارات في محافظة حماه بات مرعباً، حيث توقفت غالبية المكاتب بعد شيوع مثل هذه الحالات، ولا أحد يقوى على مواجهة الفرقة الرابعة التي تتفنن في إذلال السوريين والعبث بالقوانين وتزوير كل ما يمكن تزويره. حقيقةً هذا واقعنا وهذا ما دفعنا إلى الكف عن بيع أو شراء السيارات فكل سيارة مشكوك بأمرها.
واقعاً فإن السوريين وتحت ممارسات الفرقة الرابعة باتوا في غابة لا تحكمها القوانين إلا قانون الفرقة الرابعة والعناصر التابعين لها، ويكفي أن يقول أحدهم “أنا عنصر في مكتب أمن الفرقة الرابعة” حتى ترتعد كافة الفروع الأمنية، وحتى تُداس كافة القوانين. كل ذلك يحدث وسط تجاهل من قبل السلطة لتلك الممارسات التي أذلّت السوريين بما فيه الكفاية.
ضياء العاصي- حماة