مع حلول ذكرى الثورة السورية التي اندلعت في آذار 2011، يستحضر السوريون خروجهم في وجه نظام الأسد، رغم القبضة الأمنية التي فرضت قيوداً خانقة على حياتهم. لكن رغم هذا الواقع القمعي، تعالت أصواتهم مطالبة بالحرية والديمقراطية والتعددية، مما دفع النظام السابق إلى ممارسة شتى أنواع القمع والبطش في محاولة لإخماد هذه المطالب. ورغم كل ذلك، استمرت الثورة وتوسعت، لتتحول سوريا إلى ساحة لصراع إقليمي ودولي معقّد، حيث تداخلت مصالح القوى المؤثرة، مما أسهم في تأخير الوصول إلى حل سياسي يحقق تطلعات السوريين. إلا أن التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة أفضت إلى سقوط النظام، ليسجَّل ذلك كحدث مفصلي في تاريخ سوريا، إيذاناً بمرحلة جديدة.
مع سقوط النظام، دخلت سوريا منعطفاً جديداً تحكمه تحديات كبرى على مختلف الأصعدة، لا سيما في ظل الإرث الثقيل الذي خلفه النظام السابق، من دمار واسع في البنية التحتية، وترسيخ لسياسات الإقصاء السياسي، وصولاً إلى حالة من التصحر السياسي في المجتمع السوري. هذا الواقع يفرض على الإدارة الجديدة ضرورة تحقيق إجماع سياسي واسع، بمشاركة مختلف القوى التي ناهضت النظام، والعمل على إعادة بناء مؤسسات الدولة وفق أسس ديمقراطية متينة.
لا شك أن سقوط النظام كان حلم غالبية السوريين، لكنه جاء بطريقة مفاجئة ودراماتيكية، أدخلت البلاد في دوامة من الفوضى السياسية والأمنية والاقتصادية. وبينما كانت تطلعات السوريين تتجه نحو عدالة انتقالية وانتخابات برلمانية ورئاسية تعكس إرادتهم، فرضت التطورات السياسية واقعاً جديداً، أبرز ملامحه تنصيب السيد أحمد الشرع رئيساً للجمهورية العربية السورية. هذه التحولات فتحت الباب أمام نقاشات واسعة حول التحديات التي تواجه البلاد، وشكل سوريا المستقبل.
اقرأ/ي أيضاً: الحراك السياسي في دمشق دون مستوى التوقعات.. رؤى سياسية
يرى الباحث السياسي عمران سعدالله أن الذكرى السنوية للثورة تضع السوريين أمام تحديات جديدة، أبرزها المسار السياسي بعد سقوط الأسد، وهو ما يتطلب تعاطياً مختلفاً مع مجمل القضايا السورية. فالثورة نجحت في إسقاط النظام، لكنها لم تكمل فصولها بعد، إذ إن المسار لا يزال طويلاً لتجاوز إرث النظام البائد، عبر عملية عدالة انتقالية تُمهد لبناء دولة عصرية تليق بتضحيات السوريين.
يؤكد سعدالله أن الإدارة الجديدة مطالبة بالعمل وفق رؤية سياسية قائمة على كسب ثقة الشعب، واحترام الحريات الفردية، وعدم فرض أيديولوجيات معينة. فالمجتمع السوري يتميز بتنوعه الثقافي والديني، وأي محاولة لاحتكار القرار السياسي ستؤدي إلى عزلة الحكم الجديد، وهو ما قد يفضي إلى حالة من عدم الاستقرار.
ويضيف أن سوريا تمر بمنعطف مصيري، خاصة مع اقتراب الذكرى الخامسة عشرة للثورة. ورغم الآمال الكبيرة التي عُلقت على مؤتمر الحوار الوطني، إلا أن انعقاده في ظروف غير مثالية، وبمشاركة واسعة خلال فترة زمنية قصيرة، أثار تساؤلات حول جدوى المسارات السياسية الحالية، ومدى قدرتها على التأسيس لمرحلة انتقالية قائمة على أسس ديمقراطية راسخة.
مع حلول ذكرى الثورة، يترقب السوريون ملامح المستقبل الجديد. وبينما يرى البعض أن سقوط النظام بداية لعهد الحرية والديمقراطية، يخشى آخرون من تكرار أنماط الاستئثار بالسلطة. في هذا السياق، يؤكد الدكتور غالب رزوق، عضو التجمع الوطني الديمقراطي، أن الثورة التي حملت شعارات التغيير والعدالة يجب أن تُترجم إلى واقع ملموس. ويرى أن ذكرى الثورة، بالتزامن مع سقوط النظام، تفرض ضرورة تبني مسار سياسي واضح يضمن تمثيلاً حقيقياً يعكس تنوع المجتمع السوري، بما يشمل الأقليات والمكونات المختلفة.
اقرأ/ي أيضاً: سوريا الجديدة.. رؤية ما بعد رحيل الأسد
ويشدد الدكتور غالب على أن الانتقال إلى مرحلة جديدة سيكون تحدياً كبيراً، نظراً لما خلفه النظام من إرث ثقيل، إلا أن السوريين يطمحون إلى بناء دولتهم الجديدة وفق أسس ديمقراطية. ويضيف أن المصالحة الوطنية وإجراءات بناء الثقة تُعدّ ضرورية لترميم النسيج الاجتماعي السوري، وهو ما يتطلب حواراً شاملاً بين مختلف الأطراف.
ويختم بقوله إن ترجمة تضحيات السوريين يجب أن تتجسد في بناء مؤسسات ديمقراطية قوية، تضمن العدالة والمساواة، وتعزز دور المجتمع المدني والمشاركة الشعبية في صنع القرار. فالمسار الديمقراطي المستدام لا يمكن تحقيقه إلا عبر تكريس مبدأ التشاركية، والابتعاد عن نهج الإقصاء السياسي.
في المحصلة، تختلف آراء السوريين حول شكل المستقبل، لكن الأمل في بناء سوريا ديمقراطية تعددية ومستقرة يظل قائماً. ومع ذكرى الثورة، يُجمع السوريون على حقّهم في بناء دولتهم الجديدة، القائمة على المواطنة والتعددية، بعيداً عن الاستئثار بالسلطة، لتكون القرارات السياسية نتاجاً لإرادة الشعب، الذي دفع ثمناً باهظاً في سبيل تحقيق الحرية والكرامة.
معن الجبلاوي- اللاذقية