Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

سقط اللثام عن اللئام وما خفي أعظم، وصفٌ يُوصف المشهد السوري بأدق تفاصيله وأكبرها في ظل سيناريو يكتبه الروسي في حبكةٍ درامية ذات طابعٍ تراجيدي لمسلسلِ الدم السوري وتغريبة مواطنيه بفصوله وأجزائها الحزينة والقاهرة من مقايضات، وتهجير، واحتلال.

حالةٌ من التعقيدِ والتشابك يعيشها المشهد السوري بين أزماتٍ داخلية وتدخلاتٍ خارجية إقليمية، ودولية، منذ آذار/ مارس 2011، تاريخ انطلاق الحراك الشعبي في سوريا كآخر دولةٍ مرّ فيها ما يُعرف بالقطار العربي، والذي لم تكن سكّته سالكة كباقي الدول الأخرى، التي أجبرت رؤساء الدول إلى حجز تذكرة مغادرة كرسي الحكم، خاصة وأن السلطة في سوريا نجحت في البقاء، على الرغم من كل ما جرى، مما فرض على جهات كانت معارضة للرئيس السوري بشار الأسد على التعامل معه كأمرٍ واقع. 

واقعٌ بدأ يفرض معطياتٍ جديدة، وعلى وجه الخصوص في المستوى الإقليمي والدولي، نجد أننا نتحدث عن علاقات متشعبة مع إيران وتركيا على المستوى الإقليمي، وروسيا على المستوى الدولي، ومعها الولايات المتحدة الأمريكية، وتبدو موسكو بحكم علاقاتها مع دمشق، هي المتحكمة في علاقات الأخيرة مع أنقرة وطهران، خاصة وأن الدول الثلاث هي التي نسقت فيما بينها تحت صيغ متعددة، “آستانا”، و”سوتشي” التي تحولت إلى منصة لصياغة التفاهمات والاتفاقات بين البلدان الثلاثة، على حساب السوريين، حيث نجحت موسكو في الآونة الأخيرة بوضع العلاقات بين دمشق وأنقرة على طريق التطبيع، وآخر مظاهرها اللقاء الثلاثي.

في الأشهر الأخيرة دخل عامل مغيّر على خط دمشق أنقرة، إذ عملت وساطات روسية إيرانية وإماراتية لإعادة ترميم العلاقة بين أنقرة ودمشق، التي حرقت الحرب أساساتها، وصعّبت جدّاً إعادة وصلها، ورغم ذلك لم يكن مفاجئاً لدمشق الحماس الذي أبدته تركيا من أجل اعادة التطبيع، حتى وصل بها الأمر إلى المجاهرة بأمرين أولهما، بأن أنقرة جاهزة لسحب قواتها من الأراضي السورية، وتسليم المناطق التي احتلتها في الشمال السوري للسلطة في دمشق، وثانيهما هو تصريح  أردوغان برغبته بلقاء الرئيس الأسد، وهي صورة ساعة، ستُلتقط وستُقرأ بما أبعد من مصافحة بين الرَجُلين.

لكن هل من الممكن أن تحدث مصالحة حقاً بين دمشق وأنقرة، أم أن المسألة في غاية التعقيد؟

ما يُعرف بالمصالحة بين أنقرة ودمشق مرشحة لأن تحصل ولو في أدنى الدرجات، أولاً لأن لروسيا مصلحة في مواصلة اجتذاب تركيا واكتسابها إلى جانبها في الحرب الروسية الأوكرانية، وثانياً لأن لتركيا مصالح عديدة وعلى رأسها محاربة مشروع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، والتخلص من الضغط الداخلي، المتمثل في وجود اللاجئين السوريين، الذي بات يثقل على الحكم الأردوغاني وفرصه الانتخابية.

 
لكن ماذا عن التعقيدات لانطلاق قطار التطبيع؟

بعيداً عن المبالغات السياسية والإعلامية، بكل تأكيد الشعب السوري مستاءٌ من هذا التطبيع، الذي يتم الترويج له، وسيفرض التطبيع في حال لو حصل مع أنقرة على دمشق الإعلان رسمياً الاعتراف باتفاق أضنة، الذي علم الشعب السوري بوجوده عن طريق الإعلام الخارجي. 

 
بناء عليه ستضطر دمشق إلى الاعلان رسمياً أمام جمهورها أنه على العكس مما يُروّج له، فقد تم التخلي رسمياً منذ سنوات طويلة عن لواء الإسكندرون المحتلِّ من قِبل تركيا، وبذلك كيف ستبرر الحكومة السورية ادعاءات تحرير كل شبر من الأراضي السورية من الاحتلال التركي.  

 
في أحسن الحالات سيُفرض تجديد اتفاق أضنة، وبالتالي سيدخل جيش الاحتلال التركي إلى عمق الأراضي السورية بعمق 30 إلى 40 كلم، تحت ذرائع مختلفة وواهية، وبذلك ستنتهك السيادة السورية، وهناك من يذهب إلى مفهوم وتحليل أن الحكومة السورية ستتخلى رسمياً عن أراضٍ سورية جديدة.

لكن ماذا عن الدور الإماراتي وأهدافه من التطبيع؟

الوصل الإماراتي لسوريا بدأ مع إعادة افتتاح السفارة الإماراتية في دمشق في أواخر عام 2018، قبل أن يزور وفد إماراتي رفيع المستوى بقيادة وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد دمشق، في أول زيارة من نوعها منذ بدء الأزمة السورية قبل أكثر من 10 سنوات.

وقبل أيام قليلة، كرر بن زايد الزيارة لبشار الأسد، في دليل آخر لسعي أبو ظبي لإعادة دمشق لكنف الجامعة العربية، رغم كل الاتهامات السابقة التي وجّهت للسلطة السورية من الأمارات وباقي الدول الخليجية.

فالتواصل الإماراتي مع الأسد تم بمباركة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهي من ضمن خطوة مستدامة، لإعادة استمالة الأسد نحو المحور العربي، إذا ما تعدلت التوازنات وتراجع النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة.

ففي السياسية لا وجود للعواطف، لذلك الخطوة المهمة في التحرك الإماراتي أبعد من أن تسعى أبو ظبي للتواجد على خط هذه العلاقة الجديدة، بما لها من أهداف متشعبة ومتداخلة لسياسات متناقضة، لكل من روسيا وتركيا وإيران ودمشق، وتلاقيها أحياناً على أهداف مشتركة كتوافق أردوغان والأسد. الغاية الإماراتية تكمن في استعداد رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد، لأن تُعقد القمة الرئاسية بين، بوتين، وأردوغان، والأسد، بضيافته في العاصمة أبو ظبي، على أن يحضّر لها خلال الاجتماع الثلاثي لوزراء خارجية دول هؤلاء الرؤساء، وفي ذلك تُقدم الإمارات على خطوة تتجاوز التطبيع.

لكن ماذا عن خيارات المعارضة السورية وما هي السيناريوهات المحتملة لهذا التطبيع؟

بعد أن وقعت ورقة التوت عن علاقة النظامين السوري والتركي، وما كان خفياً عن التنسيق بينهما في كثير من الأحداث في الأزمة السورية ظهر للعلن، حتى جاءت الصدمة صاعقة على معارضي الأسد، والتي سرعان ما أدركوا أن حراك أنقرة ودمشق مبني على دماء السوريين، وعلى زيادة معاناتهم، وكذلك على مبدأ المقايضات، فكل أرض يحتلها الأتراك في الشمال، تدخل في مقابلها سلطات دمشق مدينة ثائرة عليها خلال سنوات الحرب.

لتكون ردة الفعل في مناطق شمال وشمال غربي سوريا في الأيام الماضية، تظاهرات منددة بالتقارب، وفي مدينة الباب، كبرى مدن الشمال السوري، الخاضعة لفصائل سورية موالية لأنقرة، رفع المتظاهرون شعارات مناهضة للتقارب مثل “من الأخير لن نصالح”.

وشهدت مناطق في شمال حلب، تحت سيطرة فصائل سورية موالية لأنقرة تظاهرات مماثلة، بينها أعزاز، وجرابلس، ومارع، تحت مسمى “نموت ولا نصالح الأسد”.

مواقف أثبتت للقاصي والداني انفصال كيانات المعارضة وممثليها عن الواقع، وكذلك عن تطلعات الشعب السوري، الذي تعرض لشتى أصناف العذاب في ظل حكم فصائل إرهابية تسعى فقط لمصالحها الشخصية الضيقة، دون التفكير فيما سيؤول إليه حال السوريين، ففي حال اتفاق دمشق وأنقرة فحتماً سيكونون الخاسر الوحيد والأكبر، في هذه المحرقة الدائرة على الأرض السورية.

انفصال مسؤولي المعارضة عن الشعب في المناطق المحتلة، والتي تدعي أنها تضم حاضنتها الشعبية فيها، بُرهن عليه يوم الجمعة الفائت، عندما طرد رئيس ما يعرف بالائتلاف السوري المعارض سالم المسلط، من مدينة اعزاز المحتلة، إذ هوجم من قبل متظاهرين رافضين للتطبيع بين دمشق وأنقرة.

فهل سيتحقق هذا التقارب المر بين أنقرة ودمشق وماذا عن خيارات المعارضة؟ 

وعد محمد
إعلامي

المشاركة