في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعصف بسوريا، تبرز مدينة السلمية في ريف حماة الشرقي كنموذج صارخ لفشل السلطات في دمشق في إدارة شؤون البلاد وتأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة لمواطنيها. فبينما تتفاقم معاناة السكان يوماً بعد يوم، تبدو الحكومة عاجزة – أو غير راغبة – في إيجاد حلول جذرية لمشاكل المواطنين، وفي مقدمتها أزمة النقل الخانقة التي تضرب المدينة.
أزمة النقل معاناة يومية وحلول غائبة
يعيش سكان السلمية حالة من الاختناق اليومي بسبب أزمة المواصلات المستفحلة، حيث يضطر الموظفون والطلاب للانتظار ساعات طويلة على قارعة الطريق أملاً في الحصول على وسيلة نقل للوصول إلى أعمالهم ومدارسهم في مدينة حماة. وتزداد المعاناة مع ارتفاع أجور النقل بشكل جنوني، حيث وصلت تكلفة الرحلة الواحدة إلى 6000 ليرة سورية بدلاً من 2800 ليرة، مما يعني أن الموظف قد ينفق راتبه بالكامل على التنقل.
ويؤكد حيان (37 عاماً)، وهو موظف في مدينة حماة، حجم المعاناة قائلاً: “الوضع لا يطاق. لكم أن تتخيلوا أن هذه الأزمة عمرها سنوات ونعاني صيفاً وشتاءً منها دون حلول. نضطر لدفع 12000 ليرة سورية يومياً ذهاباً وإياباً. طار الراتب، فكيف نعيش؟”
اقرأ/ي أيضاً: أذرع السلطة وواجهاتها التجارية يتفننون في نهب السوريين.. حلب نموذجاً
ورغم المناشدات المتكررة من قبل الأهالي والوفود المجتمعية التي قابلت المسؤولين في المحافظة، إلا أن الحلول المقدمة كانت مؤقتة وسرعان ما تبخرت، لتعود الأزمة إلى سابق عهدها. هذا الواقع يعكس عجز السلطة وعدم اكتراثها بمعاناة المواطنين، فهي تتعمد إرهاق السكان وإشغالهم بلقمة العيش عن المطالبة بحقوقهم الأساسية.
سياسة التجويع والإفقار.. نهج متعمد
لا تقتصر معاناة أهالي السلمية على أزمة النقل فحسب، بل تمتد لتشمل نقصاً حاداً في الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه. هذه الأزمات المتراكمة تشكل جزءاً من نمط أوسع تتبعه السلطات في دمشق، يهدف إلى إنهاك المواطنين وإشغالهم بتأمين ضروريات الحياة اليومية.
وفي ظل هذا الواقع المرير، تبرز مبادرات أهلية محدودة لمحاولة التخفيف من وطأة الأزمة، لكنها سرعان ما تصطدم بعقبات التمويل والضغوط الأمنية. فالسلطة، بدلاً من دعم هذه الجهود، تضع العراقيل أمامها وتشكك في نواياها، مما يؤكد أن الأزمة ليست وليدة الظروف بل نتيجة سياسات متعمدة.
وعود في موسم الانتخابات
من المفارقات اللافتة أن هذه الأزمات تختفي بشكل شبه سحري خلال فترات الاستحقاقات الانتخابية، لتعود بعدها بقوة أكبر. هذا النمط يكشف بوضوح عن ازدواجية معايير السلطة وتلاعبها بمصائر الناس لخدمة أجندتها السياسية. فبدلاً من العمل الجاد على حل المشكلات، تكتفي بحلول ترقيعية مؤقتة لا تلبث أن تتبخر بمجرد انتهاء الاستحقاق الانتخابي.
تقول سميرة (52 عاماً)، وهي ربة منزل من السلمية: “في كل موسم انتخابات، فجأة تتحسن الأمور. يزداد عدد وسائل النقل، وتنخفض الأسعار، وحتى الكهرباء تصير أفضل. لكن ما إن تنتهي الانتخابات، حتى نعود إلى المربع الأول. هذه السياسة مكشوفة للجميع، ولم نعد نصدق وعودهم المؤقتة..”
اقرأ/ي أيضاً: حراك السويداء ومعادلة السلطة الجديدة.. صمود في وجه القمع
إن استمرار أزمة النقل في السلمية، إلى جانب الأزمات الأخرى التي تعصف بالمدينة وبسوريا عموماً، يشكل دليلاً دامغاً على فشل السلطة في القيام بواجباتها الأساسية تجاه المواطنين. فبدلاً من العمل على تحسين ظروف الحياة، تبدو أنها تسعى إلى تكريس معاناة السوريين وإرهاقهم.
إن مطالب أهالي السلمية بوضع حد لأزمة النقل وإيجاد حلول دائمة ومحاسبة الفاسدين ليست سوى صرخة في وجه الظلم والإهمال. وحتى يتحقق التغيير المنشود، سيبقى السوريون يكافحون يومياً في مواجهة سياسات تبدو مصممة لإذلالهم وكسر إرادتهم. لكن صمود الأهالي وإصرارهم على المطالبة بحقوقهم يبقى شعلة أمل في وجه هذا الظلام الدامس.
ضياء العاصي – حماة