عام دراسي جديد يحلّ على السوريين وهم ما زالوا يعيشون في خضم الأزمة التي ألقت بظلالها على مختلف مناحي الحياة، وقطاع التعليم ليس استثناءً منها، فمع كل عام دراسي تزداد معاناة الأُسر خصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة، إذ تواجه الأُسر ضغطاً متصاعداً وصعوبة في تأمين مستلزمات أبنائها، غير أنه في العام الحالي تبدو تلك الضغوط مضاعفة في ظل انعدام الخطط والرقابة.
مهمة تأمين مستلزمات طلبة المدارس تبدو شاقة وصعبة على الكثير من الأُسر، في وقت تشير فيه التقارير الأممية أن أكثر من 90 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خطر الفقر، بالتزامن مع الارتفاع الكبير في أسعار المستلزمات المدرسية بشكل يفوق القدرة الشرائية للكثير من العائلات في مناطق سيطرة السلطة في دمشق.
تفاوت كبير
في ظل غياب رقابة السلطة على الأسواق وتحكم تجار الحرب والأزمة بحياة السوريين، تظهر الفروق بشكل جلي بين أسعار المستلزمات المدرسية من محلٍّ إلى آخر، مع فرق شاسع وكبير بين دخل الفرد وأسعار تلك المستلزمات.
وفي السياق، عبّر عماد.ع (47 عام) وهو موظف مقيم في جديدة عرطوز بريف دمشق، عن تفاجئه بأسعار القرطاسية واللباس المدرسي، مشيراً أن لديه ثلاثة أطفال؛ اثنان منهم في الصفوف الانتقالية، ويحتاج كحدٍّ أدنى ما يقارب مليون وستمائة ألف ليرة سورية بغية تأمين اللباس المدرسي لطفليه في المرحلة الانتقالية وأدوات القرطاسية والتي تكفي لفصل دراسي واحد فقط.
اقرأ/ي أيضاً: السلمية تحت وطأة الأزمات.. معاناة متفاقمة في ريف حماة الشرقي
يقول عماد، بأن الواقع الاقتصادي والمعيشي في سوريا بات خارج حدود العقل ولا يمكن وصفه. ويضيف: إن اقتراب العام الدراسي الجديد يشكّل لنا كموظفينَ كارثة كبرى بكل معنى الكلمة، فـ راتبي لا يتجاوز 380 ألف ليرة سورية، وكذلك راتب زوجتي لا يتجاوز 250 ألف ليرة سورية، فمن أين نستطيع تأمين ثمن اللباس المدرسي والقرطاسية؟
سلطة لا تهتم بالمواطن
عماد يوضح أن هناك زيادة في أسعار اللباس المدرسي والقرطاسية هذا العام مقارنة بالعام الفائت وتصل إلى نحو 150 بالمئة، في ظل انعدام القروض التي تقدّمها السلطة هذا العام، مشيراً أنه حصل العام الفائت على قرض مدرسي بقيمة 680 ألف ليرة سورية، لتأمين الضروريات المدرسية، مضيفاً: “في هذا العام نحن في كارثة. لا قروض. أسعار لا توصف، وتُجار يذبحون المواطن بصمت، والسلطة لا همّ لها، وكأنّنا لسنا سوريين”.
ويشير عماد، أنه قام بجولة في أسواق جديدة عرطوز لمعرفة أسعار المستلزمات، وقال إنه يحتاج إلى مبلغ يصل إلى أكثر من مليون ونصف ليرة سورية، لشراء حقيبتين مدرسيتَين، ولباس مدرسة ودفاتر وأقلام وأحذية رياضية مع بجامتين، مع العلم أن الأسعار في جديدة عرطوز تعتبر متدنية مقارنة بباقي مناطق دمشق أو الريف، لافتاً أنه في حيرة من أمره ولا يعرف كيف يتصرف ويقول: إن هذا العام الدراسي سيكون كارثياً على كل السوريين ممن لديهم أطفال في صفوف انتقالية أو حتى المراحل الإعدادية والثانوية.
وأوضح عماد بأن ما يُشاع كل عام عن تعميم صادر عن وزارة التربية يتعلق بغض النظر عن اللباس المدرسي تقديراً للظروف الاقتصادية والمعيشية للسوريين ليس إلا للتداول الإعلامي فقط، وفي المدارس حكاية أخرى، فكل مدرسة لها نظام خاص بها وطرق لنهب الأهالي من خلالها.
ويؤكد عماد بأن كل مدارس جديدة عرطوز ومنذ اليوم الدراسي الأول يطالبون الأهالي باللباس المدرسي الكامل ويجبرونهم على شراء الكتب المدرسية بأسعار مضاعفة عن تلك الكتب التي يقومون بشرائها من مديرية التربية والتي يُفترض أن توزّع مجاناً، على اعتبار أن التعليم الانتقالي في مناطق سيطرة السلطة مجاني كما يقولون، ولكن الأهالي يدفعون مبالغ طائلة منذ بداية العام الدراسي وحتى نهايته.
ويختتم عماد حديثه قائلاً: “واقعنا حقيقةً مؤسف وواقع السوريين في مناطق السلطة كارثي، فلا خدمات ولا كهرباء ولا مياه، ورغم كل ذلك هناك عام دراسي على الأبواب وشتاءٌ قادم، ونحن مطالبون بمصاريف خارج حدود طاقتنا، ولكم أن تتخيلوا معاناتنا في مناطق السلطة!”.
محاولة تقليل التكاليف
واقع الحال في حلب، العاصمة الاقتصادية لسوريا لا يختلف فيها المشهد عن دمشق، ومع تفاقم الصعوبات المعيشية، تحاول بعض الأُسر تدبير أمورها من خلال خياطة ملابس وحقائب قديمة وإصلاحها، وفي السياق، تُلفت فاطمة م (38 عاماً) إلى أنها لجأت إلى إصلاح ملابس وحقائب أبنائها التي كانوا يستعملونها العام السابق لاستخدامها في العام الدراسي الجديد.
الوضع الاقتصادي المتردي أجبر العديد من العائلات السورية على التنازل عن معيار الجودة لصالح التكلفة، حيث يضطرون لشراء موادٍ ذات جودة أقل لتلبية احتياجاتهم بأسعار مناسبة.
مصاريف إضافية
بكري ع (44 عاماً)، موظف في المدينة الصناعية بحلب وأبٌ لثلاثة أولاد؛ اثنان منهم في المرحلة الابتدائية والآخر في مرحلة التعليم الثانوي، يسعى إلى رسم الفرحة على وجوه أطفاله الصغار عبر شراء ما هو ضروري من مستلزمات مدرسية، مما تعرضه البسطات والعربات المتجولة وما ثمنه زهيد، ولكن المشكلة بحسب بكري، تكمن في تدبير أمر ولده الذي يدرس في المرحلة الثانوية لكونه يحتاج لمصاريف إضافية.
ارتفاع أسعار المعاهد والدورات فصلٌ آخر من فصول المعاناة المتجددة التي لم تعد محتملة لدى الكثير من الأُسر التي جهرت بالشكوى مما سمته بـ “الفوضى في تحديد الأسعار”، إذ تختلف الأسعار من معهد لآخر.
هذه التكاليف المضاعفة تمتد إلى طلبة الشهادة الإعدادية والثانوية على حدٍّ سواء، حيث يشير بكري، بأن ارتفاع أسعار الكتب المدرسية لأبنه محمد (المرحلة الثانوية) مقارنة بالأعوام السابقة يعكس صعوبة الأوضاع، فالأعباء المالية تتزايد لا سيما مع ارتفاع أسعار المعاهد والدورات الخاصة في ظل الفوضى والتراجع في المدارس الحكومية والخوف من التسرّب المدرسي.
اقرأ/ي أيضاً: أذرع السلطة وواجهاتها التجارية يتفننون في نهب السوريين.. حلب نموذجاً
العائلة السورية متوسطة الدخل تحتاج إلى ضعف الراتب الشهري لتأمين ثمن القرطاسية المدرسية لطالب واحد، وضعف ذلك إن كان هناك أكثر من طالب في المنزل، مما يضيف أعباء إضافية على شريحة كبيرة من الأهالي في ظل الأزمات المعيشية والاقتصادية التي يعانون منها بالأصل.
التجار يشتكون الكساد
أما التجار الذين ينتظرون الموسم في هذا الوقت من من العام، فيشتكون من تكبدهم خسائر كبيرة في ظل حالة الركود السائدة، وعزوف المواطنين عن الشراء بحكم أن هناك صعوبة في تأمين الفارق ما بين مدخولات الأفراد المعيلين وحاجات أبنائهم الطلبة ومستلزماتهم المدرسية.
العمل مع الدراسة أو ترك المدرسة
في ظل ما تعيشه الأُسر من فقر بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة وقلة الأجور مقارنة بالأسعار التي تحلق عالياً في السماء كل عام، باتت الكثير من الأُسر في مناطق سيطرة السلطة تفكّر ملياً في عدم إرسالها أطفالها إلى المدارس، وخصوصاً إلى المرحلتين الإعدادية والثانوية، وترك أبنائها يقدمون امتحانات الشهادة كطلبة أحرار، وذلك للتخلص من المصاريف المدرسية، فيما تفكر أُسر أخرى بتأمين فرص عمل لأطفالها بعد ساعات الدوام من أجل أن تساعدهم تلك المدخولات القليلة على تأمين المصاريف. وفي كلتا الحالتين يُعتبر الطالب هو المتضرر الوحيد.
قطاع التعليم نحو الانحدار المستمر
في ظل غياب الخطط الحكومية لإنقاذ القطاع التربوي، يرى الخبراء أن هذا من شأنه أن يؤدي إلى تدهور القطاع التعليمي أكثر مما هو عليه الآن، وهذا من شأنه أن يلقي بظلاله على البلاد في قادم الأيام.
إن الأزمة الاقتصادية في سوريا انعكست على قطاع التعليم وكل ما يرتبط به، وفي انتظار المعالجات يتخوف الأهالي من أن يلحق بالوضع القائم مزيدٌ من الضرر بالتحصيل العلمي لأولادهم في ظل عدم قدرتهم على تغطية تكاليفه المرتفعة.
هذا المشهد يعطي وصفاً مختصراً لما تعيشه آلاف الأُسر السورية في ظل الفقر وغياب الحلول لدى السلطة في دمشق.
حلب – لينا العلي / دمشق – عمار المعتوق