منذ إبرام اتفاقية التسوية في محافظة درعا عام 2018، علّق الأهالي آمالهم على عودة الأمان والحياة الطبيعية إلى ربوع المحافظة. ورغم الرفض الأولي للتسوية من قبل غالبية السكان، إلا أنهم وافقوا عليها طمعاً في بدء صفحة جديدة وتعزيز الاستقرار، وحقن دماء أبناء المنطقة، ومنع السلطة من إحكام قبضتها على المحافظة الجنوبية. لكن الواقع الراهن يكاد يكون نسخة طبق الأصل عما كان سائدًا قبل عام 2018، فلا الأمان عاد إلى الأهالي، ولا الاستقرار الكامل تحقق لتعزيز حياتهم. يبدو جلياً أن ما عجزت السلطة عن تحقيقه قبل التسوية، تحاول اليوم فرضه عبر تأجيج العنف وزعزعة الاستقرار في أرجاء محافظة درعا.
تطورات متسارعة وأزمة أمنية متفاقمة
شهدت درعا في الآونة الأخيرة تطورات متسارعة، حيث أن سياسات السلطة في فرض حالة اللااستقرار والفوضى، واستمرار عمليات الاغتيال بحق معارضين سابقين، كل ذلك أفرز واقعاً بات مُلحّاً لكل أهالي المحافظة. هذا الواقع الجديد أظهر ملامح تشكيل مشهد أمني جديد بأهداف متعددة، فالملف الأمني أضحى الهاجس الأكبر لأهالي درعا، خاصة مع تكرار مشاهد القتل والتفجير والاغتيالات التي تهدد أمن المحافظة وسلامة سكانها.
اقرأ/ي أيضاً: العام الدراسي عبء يثقل كاهل السوريين في مناطق السلطة
في هذا السياق، يؤكد (عبد الرحيم. ح)، أحد وجهاء مدينة درعا، أن “المحافظة تعيش حالة من الفلتان الأمني غير المسبوق. وما يميز المشهد في درعا هو غياب السيطرة الكاملة لأي طرف بعد اتفاق التسوية عام 2018. الأهم من ذلك، أن النظام السوري لم يتمكن من إعادة هيمنته على درعا نتيجة الرفض الشعبي الواسع، مما دفعه للانتقام من أبناء المحافظة عبر نشر القتل والتفجيرات، مستعيناً ببعض العناصر المتعاونة معه والذين أبرموا عقوداً مع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام”.
تشكيلات أمنية شعبية.. محاولة لحماية المحافظة
يضيف (عبد الرحيم ح)، أن “اتفاق التسوية لعام 2018 كان واضح المعالم، لكن النظام، كعادته، نكث بتعهداته. واليوم، بعد مرور أكثر من سبع سنوات على الاتفاق، لا تزال درعا تعيش في دوامة العنف. هذا الواقع فرض على الوجهاء البحث عن سُبل لتعزيز الأمن في درعا، خاصة أن النظام وأجهزته الأمنية لا يستطيعون فرض سيطرتهم بسبب حالة الرفض الشعبي وانعدام الثقة بسياسات النظام القائمة على الإقصاء والقتل”.
اقرأ/ي أيضاً: السلمية تحت وطأة الأزمات.. معاناة متفاقمة في ريف حماة الشرقي
ويتابع، “هذا المشهد أفرز واقعاً جديداً، استدعى العمل على إيجاد تشكيلات تضم عناصر سابقة في صفوف المعارضة بعيداً عن الأفرع الأمنية التابعة للنظام”. ويؤكد عبد الرحيم أن “المجموعات العاملة لصالح الأفرع الأمنية في مدن المنطقة وقراها أصبحت تشكل عبئاً على الأهالي، حيث يقف عناصرها وراء عمليات قتل وخطف كثيرة، إلى جانب تزويد قوات النظام بكامل المعلومات عن المعارضين الذين رفضوا الانضمام للتسوية”.
لجنة التحكيم بديل شعبي للعدالة
في ظل هذه الظروف، أكد أحد أعضاء اللجنة المركزية في ريف درعا الغربي – الذي فضل عدم الكشف عن هويته – أن واقع المحافظة الحالي تحكمه معطيات أرهقت المدنيين. وبناءاً على ذلك، تم تشكيل لجنة التحكيم، والتي يرأسها عددٌ من وجهاء محافظة درعا وأريافها، بهدف الفصل والتحكيم في الكثير من الخلافات المدنية، وحتى التحقيق في جرائم القتل وعمليات الاغتيال، خاصة في ظل غياب النظام وسلطته القضائية.
وأضاف المصدر أن “اللجنة أو المحكمة تحملت مسؤولية الفصل في كل القضايا الخلافية بين الأهالي. ونظراً لوجود جناح تنفيذي عسكري من معارضين سابقين، فإن هذا الأمر ساهم في ملاحقة العناصر الإرهابية المتعاونة مع النظام لنشر الفوضى وتعزيز حالة الفلتان الأمني. ومع ذلك، فإن اللجنة لا تصدر أحكاماً نهائية إلا بعد الاستماع إلى الأطراف المعنية والشهود، والحصول على أدلة قطعية، ليتم بعدها إصدار الحكم النهائي”.
آمال شعبية وتطلعات مستقبلية
في الواقع، تنفس أهالي محافظة درعا الصعداء مع إقرار لجنة التحكيم. وثمة خطوات قادمة تعتمد الإطار الشعبي، من شأنها أيضاً فرض حالة الاستقرار والأمن، والتي افتقدها أهالي درعا نتيجة ممارسات السلطة والمرتبطين بها. اليوم، هناك ارتياح شعبي عام، إذ يأمل أهالي درعا بإعادة الأمن إلى حياتهم للعودة إلى الحياة الطبيعية، خاصة أن الواقع الاقتصادي والمعيشي أرهق الكثيرين.
وتتجه الآمال الكبيرة لدى أهالي محافظة درعا نحو تعزيز الخطوات التي من شأنها حماية المحافظة، والقيام بكافة المسارات والأعمال التي قد تفضي إلى تغيير الواقع السياسي والأمني في المنطقة. ويبقى السؤال المطروح: هل ستنجح هذه الجهود الشعبية في تحقيق الاستقرار المنشود وإعادة الحياة الطبيعية إلى درعا، أم أن المحافظة ستظل رهينة للصراعات والتحديات الأمنية المستمرة؟
وليد السكري – درعا