بقلم : سيهانوك ديبو- عضو المجلس الرئاسي لمجلس سوريا الديمقراطية
ألف سبب وسبب لإماطة اللثام عن نتائج الدرس السوري وحقائق الأزمة في عامها التاسع. يجب أن يدركها كل من له علاقة بالشأن السوري؛ الأسوأ هو الاكتفاء بإدارة الظهر بعد إغلاق العين. الأسوأ من ذلك أيضاً هو التقصد في إغلاق العقل؛ الذي له عديد الأشكال. يلوح من مقدمة هذه الحقائق فشل النظام المركزي في سوريا. والقفز نحو اللامركزية لا يمكن أن تكون تجميل للمركزية أو تحديث لها، اللامركزية الإدارية موجودٌ في أعتى الأنظمة الاستبدادية وليست حل سحري كما يتصوره البعض. وبأن اللامركزية الديمقراطية – المصطلح الذي يستخدم أول مرة في تاريخ العلم السياسي- تعتبر مخرجاً أخلاقياً إنساني- اقتصادياً إنساني- سياسياً إنساني- اجتماعياً إنساني- وأنسيّاً إنساني. وأن الإدارة الذاتية على أساس الجغرافية وإرادة المكونات المجتمعية تصون المشكلة القومية كحل ملموس في درب دمقرطة سوريا بكل ما تحتويه من قضايا وإشكاليات وفي مقدمتها قضية الشعب الكردي في سوريا ومسائل العيش المشترك ووحدة المصير. كما أن تشكيل الإدارات الذاتية في سوريا –في حال تبني شعب سوريا نموذج ذلك والمعمول به في شمال البلد وشرقه- ليس بالتقسيم ولا يمكن تقليل شأنها لأن أمثلة مستجدة أو قديمة حدثت في الجوار السوري وفي بعيده وكانت السبب في التقسيم المتأصِّل خلال ممارسات المركز ولتبعيته ولفساده بالإضافة إلى كتلة الضد النابذة في الأطراف أو لأي وحدة من جميع المواقع والجهات التي تشكل بدورها الوحدة الإدارية الكبرى. في مثالنا فإن الوحدة الإدارية الكبرى هي سوريا.
سوريا كما كافة كتل الجغرافية الحديثة التي أنشأتها اتفاقية سايكس بيكو لم تمر حتى هذه اللحظة بحالة المجتمع السياسي الأخلاقي بسبب تسلط المذهبية السياسية التي وجدت نفسها محصنة من خلال أفْخُخٍ صنعتها الفاشيّة النمطية والمركزية الشديدة. كانت هذه عوائق معرفية طوّقت إنْ لم نقل أحكمت الحصار على الحالة السياسية السورية –أيضاً- ومنعتها من الظهور. ومشروع الإدارة الذاتية يعتبر بمثابة استنبات المجتمع السياسي وفك الأفخاخ الثلاثة؛ حل الأمة الديمقراطية بدلاً من الأمم النمطية، وحل اللامركزية الديمقراطية بدلاً من النظام المركزي الاستبدادي فالانتقال إلى حالة نظام أخلاقي سياسي إيكولوجي بدلاً من النظام المركزي الاستبدادي.
1-يمكن توصيف مسار العلاقة ما بين الإدارة الذاتية والسلطة في دمشق بالمهادنة ثم المواجهة ثم ضرورة الحوار أو المفاوضة. الأخيرة هي الأسلم والأفضل والأوفر لكلينا. يجب أن نفكر سوياً بإنتاج الأجندة الممكنة؛ هذه الأجندة التي يخرج جميع من في سوريا منتصراً. شعوباً وقوميات وأديان وبعموم الثقافات السورية.
2- قبول الطرفين بأن العقد الاجتماعي السوري لم يؤَسَس بعد؛ يجب تأسيسه. وأنه في اللامركزية تكمن صيغة حل الأزمة على أساس مساره السياسي. لهذه الأزمة جذر تاريخي بنيوي معرفي وسياسي. لا بد من توصيف مسؤول لبنية النظام الحالي؛ حتى نهيئ المخرج السليم. يجب أن نقتنع جميعاً بضرورة توزيع السلطة أو تحقيق أقصى أنواع المشاركة في السلطة ما بين المركز والأطراف. لا يوجد نموذج واحد حدث ويمكن الاستدلال عليه كمثال للمشاركة السياسية في الشرق الأوسط كله؛ لبنان في ذلك أنجح دولة فاشلة في تحقيق مشاركة السلطات؛ ليست العراق. أما الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا فهي عنوان بثلاث صلاحيات. ما هي صلاحيات هذه الإدارة، وما هي صلاحيات المركز، وما هي الصلاحيات المشتركة بينهما. ضمن هذه الرؤى الأساسية تنضج أساسيات صيغة الحل الديمقراطي.
3-السلطة في دمشق أساس الأزمة السورية وهي جزء من الحل. لا يستطيع أحد أن يقول بأن هذا هو طرحنا الجديد؛ لا بل هي المقاربة الثابتة لدينا منذ بداية الأزمة السورية. على الرغم من تأكيدنا -قبل الأزمة وإلى اليوم- لحقيقة مفادها بأن في طبيعة النظام المركزي تكمن المشكلة. ومع التشديد بأن التفاوض لا تشبه التسوية والمصالحة كما مثالها في الغوطة ودرعا. للمصالحة شروط معينة لا تنطبق على الإدارة الذاتية. من الاجحاف التفكير بذلك.
4-من المهم على السلطة في دمشق أن تقتنع بأن الإدارة الذاتية الديمقراطية ليست ضرورة مرحلية أملتها الظروف المشخصة التي مرت وتمر بها سوريا؛ فقط؛ إنما لهذه الإدارة دواعي وأسباب تسبق الأزمة بالرغم من أنها تأسست في الأزمة لكنها تبدو اليوم كحلٍّ متقدم للأزمة. كما أنه من الخطأ أن تفكر جهة ما بأن هذه الإدارة الذاتية لها العلاقة فقط بإيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سوريا فقط؛ إنما عن مسألة مجتمعية لها قضاياها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في الوقت ذاته.
5-أن الوقت مناسب للحوار وفق سلّة الحزمة المتكاملة. بما تتضمن الاتفاق على ماهية الحل الديمقراطي. وبما يضمن الاتفاق بأن مناطق سوريّة محتلة من قبل تركيا؛ في مقدمتها عفرين؛ لا بد أن تتحرر. كما أنه من المفترض أن يكون تحرير إدلب منجزاً وطنياً مشتركاً ما بين أيِّها أطراف الحل في سوريا: في مثال السلطة في دمشق والإدارة الذاتية. ندرك تماماً بأن طبيعة الأزمة السورية معقدة جداً ومتداخلة إقليمياً ودولياً. إلّا أن المبادرة السورية السورية ما تزال ممكنة.
6- من الخطأ التوصيف بأن كل من في المعارضة (الخارجية) لا يصلح أو فاقد الصلاحية؛ كما أنه من الخطأ أيضاً التسليم بأن كل من في المعارضة (الداخلية) هو الصالح. بالأساس فإن مصطلح المعارضة السورية غير منضبط هذه اللحظات؛ أقوم المصطلحات أن نقول من هم الوطنيون السوريون ومن غير ذلك. من يشرّع للاحتلال السوري ويقدم نفسه كمثال طازج في احتلال عفرين وفي تغيير ديموغرافية عفرين إنما هو بلوك في جدار أردوغان في عفرين. لا خطاب شعبوي هنا ولا نية بالأساس لذلك حينما نقول عفرين أولاً. سوى أن عفرين لا تشبه غيرها. جاراتها من المناطق المحتلَّة كان لنتيجة بأن سوريين اختاروا العثمانية على السوريّة خلاف ما حدث في عفرين في أن شعبها ما يزالون مصممين على كرديتهم في سوريتهم. أي أن الوطنية السورية تستدعي ضرورة توسعة على مجلس سوريا الديمقراطية وتحولّها إلى منصة للقوى الوطنية وللمعارضة الديمقراطية، وهذه التوسعة بات بالمخرج الفعّال والمطلب المُلِّح؛ ليس فقط للقوى الديمقراطية والأحزاب العلمانية والشخصيات الوطنية؛ إنما أيضاً لمسد، وبشكل ما لسلطة دمشق. لملمة الصفوف متعلق بلململة حالة سوريا التي تشبه الأشلاء المبعثرة؛ في حال تُركت أكثر من ذلك فإن شبح التفكك يخيّم على سوريا وعلى كل المنطقة، وتهديده بات أكبر بكثير من فترات الأزمة السابقة. على خط دمشق- الإدارة الذاتية الديمقراطية.
على خط دمشق- قامشلو؛ ثمة ارتسامات لمرحلة جديدة؛ تتعافى فيها سوريا أو العكس حينما نمنح لأنفسنا شهود تبخر سوريا.